تحدث الشيخ سعد البريك عن الرؤى والأحلام من جهة تعلقها بالشرع، وكيف أنها
بشرى للمؤمن ونذارة للعاصي ، وعن سبب حدوث الرؤيـا ، مع ذكره العلاج لـمـن
رأى ما يكره، وأن الإنسان لابد أن يحسن الاختيار لمن يفسر له ما رآه.
الرؤى والأحلام في ميزان الشرع
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه ، جـلَّ عـن الشبيه وعـن المثيل وعن النظـير
ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، أحمده سبحـانه حـمـداً يـلـيـق بـجـلال وجهه
وعظيم سلطانه، وأشهـد أن محمداً عبده ورسولـه ، بـلـغ الرسالـة ، وأدى الأمانة ،
ونصح الأمة،وجاهد في الله حق جهاده،وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها
لا يزيغ عنها إلا هالك ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى
يـوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله..
اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم، وقد وعدكم بالثواب إن أتيتم بها
على نحو ما أراده الله سبحانه وشرع، وقد أمركم بها في مواضع عـدة مـن كتابه
حيث قال جلَّ من قائل عليماً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ
لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].
عـبـاد الله..
إن مـن عجيب خـلـق الله وصنعه ما يراه النائم في عـالـم المنـام من الرؤى والأحـلام،
وذلك مما يقف المؤمن أمـامـه مندهشاً مما يـرى في نومه ويتحقق في يقظته بتأويل
دقيق وبفراسة أو علم عميق،وكـذلك مـا يــراه حقيقة بعد نومه من دون تأويل أو تفسير
لظهور ووضوح رؤياه وعدم حاجتها إلى التأويل، وإن ذلك كله لما يقوي إيمان المؤمن
بالوحي الإلهي والإلهام الرباني من الله جل وعلا لأنبيائه ورسله وأوليائه.......
اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤى
والرؤيا -يا عباد الله- من الأمور التي كان يهتم بها النبي صلى الله عليه وسلم
ويسأل أصحابه بين حين وآخـر بـقـولـه : مـن رأى منكم رؤيا ؟ ومن له أدنى
اطـلاع على تعبـير الـرؤى والـمـنـامــات مما ذكـره النبي صلى الله عـليه وسلم
لأصحابه فـإنـه يعرف مــدى أهمية الرؤى . والـذي يهم المسلم بالدرجة الأولى
في هـذا الأمـر أن يعلم أن الرؤى حـق لا شك فيه ، وأنها قـد تكـون دلـيـلاً على
حدوث أمور مستقبلية ، خاصة إذا رآهـا من هو معروف بالاستقامة والصلاح ،
وعـبرها من اشتهر وعرف بالعلم والـفـراسة ، ومن تيقن هذا أدرك كذب وافتراء
بعض الذين يـدعون أو يسـمـون النفسانـيـين في تكذيبهم للرؤيـا وعـدم المبـالاة بها
على أي وجـه ومن أي صفة وأي إنسان وقعت وكانت. أيها الأحبة في الله..
الـرؤيـا الصالحة لا تـخـلـو من بشـارة أو نذارة في أمـر دين أو أمـر دنـيــا ، وقــد
تكون مبشرة تحث من رآها على لزوم سبيل الاستقامة والثبات على الحق والدعوة
إليه ، أو تهديه إلى ما فيه خير له في آجله وعـاجـلـه . أعــوذ بالله مــن الـشـيـطـان
الرجيم: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لاتَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64]
قـال أبو الدرداء:سألت النبي صلى الله عليه وسلم عـن هـذه الآيـة، فقال:(ما سألني
عنها أحد غيرك منذ أنزلت ، هي الرؤيا الصالحة يـراهــا المسلم أو تـرى لـه) وقـد
تكون الرؤيـا نذيراً لمن رآها عن الغفلة عن ربه، والتفريط في جنبه، ومن ثم تحمله
وتـجـره إلى التوبة النصوح ، وتبعثه على العمل الصالـح ، وتـحـذره ممـا فـيـه الشر
والخسارة في أمـر دينه ودنياه . وحقيقة الرؤيـا تكمن فيما يـخـلـقـه الله عز وجل فـي
قلب النائم ، فيرى أموراً كما لـو كان يراها وهو في حال يقظته، فسبحان الذي يفعل
ما يشاء بأفئدة عباده وعقولهم في حال نومهم ويقظتهم!
الـفــرق بـين الـرؤيـــا والـحــلـم
روى البخـاري ومسلم رحمهما الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الـرؤيـا من
الله، والحلم من الشيطان) وفي هذا دليل على ما ذكـرـ، وهو أن الرؤيـا من الله كلها
خير، فقد تكون بشيراً بخير فيفرح المؤمن به، أو نذيراً عن شـر فيتقيه ويبتعد عنه،
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (الحلم من الشيطان) فليس معنى ذلك أن الشيطـان
يفعل شيئـاً، ولكـن معنـاه:أن خلـق الـرؤيـا في قـلب الإنسان في تلك الحال قـد يكون
بـحـضـور شيطـان وسـروره بهـا فيما إذا كانت دليلاً على بـــلاء يحـل بـمسلم أوشـرٍ
يقع بـه. فـالـرؤى الصالحة الصادقة هي من الله ، وكثيراً ما وقعت لنبينا محمد صلى
الله عليه وسلم وصحبه من بعـده ومن تبعهم من الصالحـين إلى يومنا هــذاـ، والـغـالب
مـنـهـا يـقـع على وفـق مـا جاء في المنام، وحسبكم -يا عباد الله- من الرؤيا الصالـحـة
فضلاً وشرفـاً أنها من أول ما بُـدئ به النبي صلى الله عليه وسلم مـن الوحي ، فكان
لا يرى شيئاً إلا جـــاء كـفـلـق الـصـبـح ، وإنـهـا لـمـن الـمـبشــرات بـالـخــير أو مـــن
النذر عـن الشر، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بـقـولـه: (لم يبق من النبوة إلا
المبشرات قـيل : ومـا المبشرات؟ قـال : الرؤيـا الصالحة) وصـح عنه صلى الله عليه
وسلم قوله: (رؤيـا المؤمن جـزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ولايمنع مـن كون
الـرؤيـا الصالحة جـزءاً مـن النبوة أن يراهـا الكافر أو الفـاسق إذ أنهما تـصدق رؤاهــم
في بعـض الأوقــات ، ولكنها لا تعتبر وحياً ولا تعد من النبوة في ذلك ، إذ ليس كــــل
من صدق في حديث بغيب يكون خبره عن ذلك من النبوة.
رؤيــــا الأنـبـيــاء ومـــا فـي حـكـمـهــا
واعلموا -يا عباد الله- أن الرؤى لا تكون وحياً يعمل به إلا إذا رآها نبي، ودليل ذلك
أن إبراهيم عليه وعلى نـبـيـنـا الصلاة والسلام لما رأى في الـمـنـام أنـه يـذبـــح ولــده
إسماعيل ، نفذ الرؤيا وطبقها وعمل بهـا ، ولم يقل : أضغاث أحـلام، يرى أنـه يذبح
فلذة كبده وولده بالشفرة والسكين كما تذبح البهيمة ومع ذلك لم يقل:
هـذه أضغاث أحــلام؟ لأنهـا رؤيـا نبي ورؤى الأنبياء حـق، وقد وفّى بها وأراد ذبــح
ولـده فـلـذة كـبـده ولكن الله افتداه بكبش سمـين. وتكـون الرؤيـا وحـيــاً إذا رئُيت على
عـهـد نبي وأقرها وأمر بالعمل بها، ومثال هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم اهـتم
للصلاة، وكـيـف يجمع الناس لها، فقيل له: خذ راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها
أعلم بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك وقال : (هو من أمـر اليهود. فـذكـر له الناقوس
فـقـال صلى الله عليه وسلم : هـو مـن أمر النصارى ) فــانصرف عبد الله بـن زيــد
رضي الله عنه وهــو مهتم لهمَّ رسـول الله صلى الله عليه وسلم فــــأُري الأذان فــــي
مـنـامــه، قـال: طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يـده، فقلت: يا عبد الله ..
أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة.
قــال:أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت:بلى.فقال:تقول:الله أكبر الله أكـبر..
وســـرد عليه الأذان إلــى آخره إلى أن علمه الأذان، ثم استـأخر عنه غـير بعيد، ثم
قال لـعبد الله بـن زيد: تعود إذا قـمـت إلى الصلاة تـقــول:
الله أكبر الله أكبر، وعلمه الإقامة، فلما أصبح جـاء عبد الله بن زيد وقص رؤيـاه على
النبي صلى الله عليه وسلم،فقال نبيناصلى الله عليه وسلم:(إنها لرؤيا حق إن شاءالله)
وفي رواية قال:(قد سبقك بها الوحي، فقم مع بلال فـألـق عـلـيـه ما رأيت فليؤذن بـه
فإنه أندى صوتاً منك ) .وجـــاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قـال: (إذا اقترب
الزمان -أي: قرب قيام الساعة - لم تكد رؤيا المسلم تكذب ، وأصدقكم رؤيا أصدقكم
حـديثاً) ورؤيـا المسلم جــزء مـن ستة وأربـعـين جزءاً من النبوة.
مــا يـفـعـلـه مـــن رأى مــا يـكــرهـــه
والرؤيا ثلاثة أنواع: رؤياً صالحة هي بشرى من الله، ورؤيا تحذير من الشيطان،
ورؤيا مما يحدث المرء به نفسه؛ فإن رأى المسلم ما يكره فليقم وليصل ولا يحدث
بها الناس،وفي الصحيح عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قـال:
(الـرؤيا من الله ، والحلم من الشيطان ، فإذا حلم أحـدكم الحلم الذي يكره فليبصق
عـن يسـاره، وليستعذ بـالله منه فلن يضره). وصح عنه صلى الله عليه وسلم -
أيضـاً-: (إذا رأى أحـدكم رؤيـا يحبها فـإنـمـا هي مــن الله فـليحمد الله وليتحـدث
بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكـره فإنما هي مـن الشيطان، فليستعذ بالله من شرها،
ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره). فمن جملة هذه الأحاديث نعلم معاشر الأحبة أن
الرؤيا من الأمور الممكن تحققها ووقـوعـهـا خلافـاً لـمـن نفى ذلك وجـحـده ، ومن
جملة تلك الأحاديث ينبغي أن ننتبه إلى أمر مهم جداً، وهو أن بعض الناس يتشاءم
من بعض الرؤى التي يراها ، وقد تضطرب لها حاله و تشغله في مأكله ومشـربـه
ومجـلسه، وهـذا مـن الخطأ البين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قـد أرشدنا وبـين
لــنـا : إن كانت الرؤيا مما يكـره الـعـبـد فليستعذ بالله ، وليتفل عـن يساره ، وليقم
فليصل فإنها لا تضره،وذلك يـدفـع شرها عنه بإذن لله وقدره،ومن اعتقد أن الرؤيا
تضربحالها أوتـنـفـع بحالها ممن رآه فيها فقد أشرك مع الله عياذاً بالله مـن الشرك،
إذا أن الذي يـقـدر القضاء على الـعـبـاد هـو الله، ولا يرفعه عـنـهـم إلا هو سبحانه.
عـن أبي سـلـمـة رضي الله عنه قـال : كنت أرى الـرؤيـا فتمرضني حتى سمعت
أبا قتادة يـقـول:
وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يـقـول -
وذكـر الحديث الذي سـقـنـاه آنـفـاً -(إذا رأى أحدكم ما يكره فليتعوذ بالله من شرها،
وليتفل ثلاثاً عـن يـسـاره، ولا يـحـدث بـهـا فإنها لا تضره).أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً
وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ
رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ
مُبِينٌ [يوسف:4-5].
بــارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيـاكم بما فيه من الآيـات والـذكـر
الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم، التواب الرحيم لي
ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه غفور رحيم.
الـرؤيــا الـصـادقـة وسـبـبـهــا
الحمد لله منشئ السحاب ، وهازم الأحزاب ، ومنزل الكتاب ، وخالق خـلـقـه مـن
تراب، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأثني عليه الخير
كله، هـو اـلذي أنشأنا مـن العدم، وهدانا إلى الإسلام وقـد ضـل عنه الكثير، ومنَّ
علينا بالتوحيد وقـد غـفـل عـنـه الكثير، وأطعمنا وسقانا وكفـانـا وآوانـا ، ومـن كل
ما سألنـاه أعطانـا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحـده لا شريـك لـه، هو الأول والآخر
والظاهر والباطن ، ليس كمثله شيء وهــــو السميع البصـير ، وأشـهـد أن محمداً
عبده ورسولـه ، بلغ الرســالـة ، وأدى الأمــانـة ، وجــاهــد في الله حـق جـهــاده،
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثـيراً إلى يـوم الـديـن. أمـا بـعـد:
فـيـا عبـــاد الله..
اتـقـوا لله تعالى حق التقوى ، تمسكوا بدين الإسلام في الدقيق والجليل، واعـلـمـوا
نعمة الله عليكم بـهـذا الـدين الذي بـه اطمأنت نـفـوسـكـم ، وأمنتم في أوطــانـكـم،
وتدفقت الخيرات إلى بلادكم، وانـظـروا إلى مـا حـولكم مــن الـجـنــوب والـشـرق
والشمـال والـغـربت،يتطاحنون ويتقاتلون بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير،جنبوا
شرع ربنا واتخذوا قوانين الكفرة والملاحدة ؛ فكـان أن سلط الله عليهم عـدواً مـن
أنـفـسـهـم ومـن بـيـنـهم، يتقاتلون ويتذابـحـون ويـدمـرون كل شيء بنوه بأيديهم،
فتمسكـوا بـشريعة الإسـلام ، وعضوا بالنواجذ على الـعـروة الـوثـقـى ، واعـلـموا
أن خـير الكلام كلام الله ،
وخير الهدي هـدي محمد صلى الله عليه وسلم،
وكل محدثة في الدين بدعة، وكـل بـدعـة ضـلالـة،
وكـل ضلالة في الـنـار،
وعـليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع جماعة المسلمين،ومن شذ شذ في النار.
معاشر المؤمنين..إن من الرؤيـا مـا يقع أولاً على ظـاهــره، ومـنـهـا مـا يـحـتـاج
إلى تأويل، فما يحتاج إلى التأويل منها فينبغي أن يعرض على رجل صالح ماهر
بتعبير الـرؤيـا ، مفـرق بين الأضغاث وغيرهـا ، ويفرق بين طبقات الناس إذ أن
فيهم من لا تصح له رؤيـا ، ومنهم من تصح له وتقع بإذن الله ، يقول أحد علماء
السلف:الرؤيا اكتشاف لا يحصل إلا بانقشاع الغشاوة عن القلب، فلذلك لا يوثق إلا
بـرؤيـا الـصـالـح الـصـادق ، ومـن كـثر كذبه لم تصدق رؤياه ، ومـن كـثر فسـاده
ومعاصيه أظلم قلبه فكان ما يراه أضغاث أحـلام ؛ ومـن أجل ذلك استحب ألا ينام
المسلم إلا متوضئاً طـاهـــراً. وقـال بعض أهــل التعبير:لكل أمم أصول لا تتغير،
وأقـيـسـة مـطـردة لا تضطرب إلا تـعـبـير الـرؤيـا، فـإنـهـا تختلف باختلاف أحوال
الناس وهيئاتهم وصناعاتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم ونحلهم وعـاداتهم ، فينبغي
للمعبر أن يكوتن فـطـنـاً ذكـيـاً ذا فــراســة واطـلاع. ومما ينبغي أن يـعـلـمـه كــل
مسلم أنه يحرم الكذب في قص الـرؤيـا ، فقد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله
عليه وسلم: (من تحلم بحلم لم يـره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل)
وفي حديث آخر ( إن أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا ) فينبغي لمن
رأى رؤيا صالحة ألا يحدث بها إلا عند شفيق ناصح يحسن تعبير الرؤيا وتأويلها ،
فـإن رأى الذي ذكرت له الرؤيـا خـيراً فـلـيـقـل: خـيراً رأيت، ثم يعبرها. وإن علم
من الرؤيا مصيبة أو بلاءً فليقل:خيراً إن شاء الله وليصمت، فإن وجـد خـيراً ذكـره
وإن وجـد خـلاف ذلك قال: خيراً إن شاء الله، وجـاء عـن السلف الصالح -أيضاً-
جملة من ذلك. ومن رأى النبي صلى الله عـليه وسلم في مـنـامـه على صفته صلى
الله عليه وسلم المعروفـة فـقـد رآه حقاً وصدقاً؛ لأن الشيطان لا يتمثل بـه صلى الله
عليه وسلم كما صح ذلك عنه في الحديث (مـن رآني في المنام فـقـد رآني حقاً فإن
الشيطان لا يتمثل بي).
ومن الناس من يفزع في منامه لرؤىً يراها ، وسبب ذلك قلة ذكر الله و شدة الغفلة
في اليقظة ، والخوف من الخلق، وما أشد وقوع الكثير منا في هـذا ، فـالـكـثــير في
غفلة عن ذكر الله حال دخولهم بيوتهم ، وحال خروجهم مـن دورهم ،وحال ركوبهم
دوابهم، وحال دخولهم أعمالهم، إن من القليل النادر أن تسمع صوتاً يرتفع بذكر الله
جـل وعـلا ، ومن رفع صوته يـذكـر غـيره التفتت إليه أعـين الـنـاس، لا ينكرونه،
حاشا لله أن ينكر ذكر الله! وإنما قد استغربوا من قـلـة الـذاكرين في هــذا الـزمــان.
فاعلموا -يا عباد الله- أن شـدة الـغـفـلـة والخـوف مـن الخلائق والبعد عـن ذكر الله
مما يسبب أمـوراً مزعـجـة في المنام ، نـســأل الله جــل وعـلا أن يمن علينا بذكره
وطاعته، فينبغي لمن يفزع في منـامـه أن يحـرص على قــراءة ورده قـبــل نـومـه
خاصة فاتحة الكتاب وآية الكرسي والمعوذات، وآخر سورة الحشر، وكذلك الأدعية
التي جـاءت عـن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يستحب للمسلم أن يـقـولـه عــنـــد
نـومـه وبعد استيقاظه، ومن شكا الأرق بعد ذلك -والأرق هو عـدم النوم في الليل-
فليقل: اللهم غـارت الـنـجوم، وهدأت العيون ، ولـم يـبـق إلا وجهك يا حي يا قيوم،
اللهم اهـد ليلي وأنم عيني،وليتبع ذلك بقراءة الآيـات والأحاديث الواردة،وليتأكد أنـه
لـن يقارب تمام هـذه الأذكـار إلا وقـد غـشـي الـنـوم أجـفـانــه.
عباد الله ..
الرؤى الصادقة كثيرة جـداً ،
فـرؤى الأنبياء حـــــق ووحي لا شــك فـيـهـا، وجــاء عــن الـسـلـف رؤىً وقـعـت
وتحققت،وغـيرهم كثير، ولـو ذهبنا نستعـرض جـزءاً مـن ذلك لـطـال بـنـا الـوقـت.
أعــوذ بالله مـن الـشـيـطـان الرجيم
وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ
جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ
أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
[يوسف:100]
أسأل الله جل و علا أن يمن علينا بالتوبة النصوح، وأن يوفقنا لذكره جل وعلا.
أمـــــور تـجـعــل الـرؤيــا فـــاســــدة
أيها الأحباب.. إن كثيراً من الشباب الذين شغلوا أنفسهم عن ذكر الله، وتشاغلوا
بالمعاصي والملاهي يترددون على العيادات النفسية ومـسـتـشـفـيـات الأعصـاب
وغيرهـا ؛ يشكون قـلـقـاً وجـزعـاً وضيقـاً ونكداً في نفوسهم ، وتقلباً في منامهم،
وما علموا أن ذلك هو بما اجترحوه في النهار ، يلقون بعضـاً مـنـه فـي اللـيـل،
ولوعـادوا إلى ربهم وآبـوا لوجـدوا مـن ذلك خـيراً كـثـيراً.
يحدثني رجل أعرفه ، وكان ممن يداوي بالقرآن المرضى الذين يأتونه ، قال :
جاءني شاب متناثر شعر رأسه، قد شحب وجهه، وقد تغير شكله،
وقد رأيت فيه هيئة تفزع من رآه، ثم إن أبــاه قــد أتـاني -أيـضـاً-
وقــال : إنه يشكو في الليل أموراً كثيرة، وفي النهار يقترف أشياء
عديدة، قال:فإنه لما أتاني قلت: ما الذي تشكوه؟ فذكر لي من قلقه
وفزعه وغير ذلك في منامـه، ونـكــد وقـلق نفسه في النهار، عيشةً
يتمنى أن يموت ولا يحيا فيها.يقول: فقلت له:يا بني..هل تصلي؟
فقال: لا.
فقال: عجباً من حالك !! كيف تـريد أن تطمئن بالنهار وأن تسكن
بالليل وأنت لا تصلي ؟!
أما تعلم أن تارك الصلاة كافر، وما ينفع إن رقيت عليك وقد تكون
-ولا حول ولا قوة إلا بالله- على كفر بتركك للصلاة ؟
قال: فما تأمرني أن أفعل؟
قال: آمرك أن تستحم من جديد وأن تغتسل وأن تصلي ثم عد إلي
من الغد.
قــال: ففعل ذلك وعـاد إلي وقد هـدأ، فقرأت على صدره آيات من
الفاتحة وآيــــة الكرسي ومما يسر الله من كتابه الكريم،
قـال: فتردد علي أيام بذلك حتى نفعه الله جل وعلا بها، واطـمـأن
وعـــاد وهو الآن من الذين يؤذنون للصلاة في أحد المساجد الكبيرة
في الرياض ، نسأل الله أن يمن علينا وعليه وأن يثبت الجميع على
طاعته . إذاً فاعلموا -يـا عبـاد الله- أن كـل دقـيـق وصغير يوحش
النفوس ويفزع القلوب إنما هـو بمـا كسـبـت الأيـدي واجـترحـت الجـوارح ،
نسـأل الله أن يسخـرنـا لطاعته ، وأن يمن علينا بهدايته. اللهم أعز الإسلام
والمسلمين ، اللهم دمر أعداء الدين ، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين ،
اللهم أعنا في ديننا . اللهم أصـلـح أئـمـتـنـا وولاة أمورنـا ، اللـهـم وفـق إمام
المسلمين لما تحبه وترضاه ، ووفـق اللهم ولي عهده يـا أرحم الرحمين!
اللهم لا تـفـرح على أئمتنا عـدواً ولا تشمت بهم حـاســداً ، وقــرب مـنـهـم
بـطـانـة صـالـحـة ، ومن علمت فيه شراً لهم فأبعده عنهم.
اللهم اختم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسـول الله آجـالـنـا، واقـرن
بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا ، اللهم لا تـــدع
لأحدنا ذنباً إلاغفرته،
ولا هماً إلا فـرجته،
ولا مريضاً إلا شفيته،
ولا مـريضاً إلا شفيته،
ولا مريضاً إلا شفيته ،
ولا مبتلىً إلا عافيته،
ولا حيران إلا دللته،
ولا قلقاً إلا سكـنـت روعـه وهـديـت قلبه برحمتك يــــا أرحـم الـراحمين!
اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين الـذين شهدوا لك بالوحدانية ،
ولنبيك بالرسالة، ومـاتـوا على ذلك ،
اللهم اغـفـر لـهـم وارحـمهم ،
وعافهم واعف عنهم ،
وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم،
واغسلهم بالماء والثلج والبرد،
ونقهم من الذنوب والـخـطـايـا كما ينقى الثوب الأبيض مـن الدنس .
اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد صاحـب الـوجــه الأنــور،
والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء:
أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ،وعن بقية العشرة، وأهل الشجرة ،
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إن الله يــأمـر بـالـعـدل والإحسـان وإيـتـاء ذي الـقـربى، وينهى عن
الفحشـاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون ، فـاذكروا الله العلي
العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم،
ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.......