كتاب الاحلام للدكتور مصطفى محمود كناب مفيد ويستحق منا المطالعة والقراءة
نزل الكتاب و أقرأ على فكرة الكتاب مش كبير
و اسلوب مصطفى محمود رائع و مميز
على الرابط التالي
اضغط هـنـــا
لو لم يكن إبليس موجودا، لأوجدناه، لأننا لا نستطيع أن نعيش دون أن نمسح ذنوبنا في شبح نلعنه كل يوم ونرجمه لأنه غرر بنا،
الإنسان تتآكله شهوة غامضة خطرة. أخطر من شهوة الجنس، وأخطر من شهوة الطعام، هي شهوة العقيدة، شهوة اليقين، الشهوة إلى شئ يؤمن به ويصدقه، وهو في سبيل هذه الشهوة، قد يؤمن بحجر أو صنم أو تعويذة أو حجاب أو درويش أهبل، ليس لأنه ساذج أو مغفل، وإنما لأنه ضعيف، به ميل فطري، وشوق غريزي حاد إلى هدف يرتبط به، وكلمة يصدقها وعقيدة يعتقدها.
بهذه الكلمات يبدأ كتاب "الأحلام" الصادر عن دار المعارف عام 1992، نبحر بين صفحاته في عالم النفس الإنسانية المفعمة بالحب والقلق والخوف من الحاضر والمستقبل، والأحلام التي تعد إنعكاسات لكل هذه المشاعر، إنها وجبة إنسانية دسمة على مائدة النفس البشرية بقلم جراح بارع هو المفكر المصري الدكتور مصطفى محمود.
جوهر الأحلام
هناك قانون في علم النفس يؤكد أن النفس لا تفقد من مضمونها شيئا، لا يوجد شئ اسمه نسيان. كل إحساس ، وكل تجربة، وكل خبرة، وكل عاطفة مهما بلغت من الهوان والتفاهة لا تفنى ولا تستحدث، وكل أسرار قلوبنا ووجداننا غير قابلة للاندثار، كل ما في الأمر أنها تنطمس تحت سطح الوعي، وتتراكم في عقلنا الباطن لتظهر مرة أخرى في أشكال جديدة ، في زلة لسان أو نوبة غضب أو حلم غريب ذات ليلة. وما الأحلام إلا الحياة التي تدب في هذه العواطف التي ظننا أننا نسيناها.
ويعرض مصطفى محمود لبعض نظريات علماء النفس عن الأحلام، ففي حين يرى العالم برجسون أن الأحلام لا جديد فيها وإنما هي انعكاس للحياة الفسيولوجية التي يعيشها الجسم ، فإن فرويد يرى أن الأحلام هي بعث للرغبات الحرام المدفونة في النفس من أيام الطفولة، وتحقيق لما لا يمكننا تحقيقه في الواقع وما لا يليق أن نفكر فيه في يقظتنا ونحن بكامل وعينا.
أما كارل ج. يونج، فيعتقد أن الأحلام هي صوت الغيب لأن النوم يمنحنا الفرصة الذهبية التي ننتظرها، فرصة خلوتنا بأنفسنا. والأحلام هي هذا التفكير الذي يمتاز أحيانا بالصفاء لأنه يخلو من تشويش الواقع، ولذلك تأتي بعض تنبؤاته صادقة ومفاجئة لنا في يقظتنا.
حقيقة الحب
يكتب د. مصطفى محمود : إننا نشعر بالسعادة لأننا لا نتفرج على أنفسنا ونحن سعداء ولا نحلل طبائعنا في أثناء لحظة السرور، وإنما نعيش هذه اللحظة ونندمج فيها، ولكن بقى سؤال ظل يشغل بالي، ما هي حقيقة الحب؟ ومتى يكون الحب حقيقيا وهل هناك حب حقيقي؟.
إن الحب في مجتمعنا عاطفة معقدة، كل شئ في مجتمعنا العصري صناعي حتى الكلام أسلوب صناعي للتعبير، والإنسان في هذه الحياة فاقد لوعيه، فاقد لنفسه، فاقد لفطرته البيضاء النظيفة.
والحب أحيانا يعبر عن عقد نفسية فينا لا علاقة لها بمن نحبهم بالمرة. قد يعبر عن مركب النقص، أو مركب العظمة، أو السادية، أو الهستريا، أو الهروب، من المذاكرة، أو من وطأة الحياة اليومية، أو من مسئوليات البيت المرهقة، أو هروبا من أنفسنا.
أما الحب الحقيقي فيرى أنه موجود مثل الماء في باطن الأرض يكفي أن تدق عليه ماسورة فينفجر في ينبوع لا ينضب.
الحب عند د. مصطفى محمود إحساس جاهز فطري في داخلنا، .ينمو إذا واتته الظروف، والحب الصحيح خال من الغرض، وإنما تأتي الأغراض فيما بعد، حينما يحس كل حبيب أنه عاجز عن الحياة بدون الآخر، وأنه في حاجة إليه كل يوم وكل لحظة، ولا وسيلة إلى ذلك إلا بالزواج، ولهذا لا يكون الزواج هدفا مقصودا من البداية.
إن سقوط الكلفة وتكاشف الحبيبين بخفايا نفوسهما وتعارف الاثنين تعارفا نفسيا مكشوفا ، ضروري لنشوء الحب ، ولقيام العشرة الناجحة بعد الزواج ، وبغير هذا لا أمل في حل هذه المشكلة المعقدة ، وبغير هذا سيظل الزواج والحب أكاذيب متبادلة .
كرباج على العقل
هكذا يصف المؤلف ما يفعله القلق فينا ، إن أخطر ما يهدد حريتنا ليس السجن، ولكن مشنقة في داخلنا، .اسمها القلق.
الخوف من الفشل يترصد كل رغبة ليخنقها قبل أن تولد، وعقدة الذنب تجعل من كل عمل نعمله جريمة يؤاخذنا عليها الله والمجتمع والقوانين والآباء والأجداد.
إن مبررات القلق موجودة عند كل إنسان ، ومع ذلك لسنا كلنا قلقين ، وذلك لأن عقولنا لها طريقة سحرية تعالج بها هذا الصدام ، هذه الطريقة هي أن تتكيف وتتلاءم وتوفق بين رغباتنا وواقعنا، وتقوم بالترضية وتهون من الخسائر بإقناعنا بأنها ضرورية ولابد منها. وبهذا تتساقط المشاكل الواحدة بعد الأخرى.
ولكن التكيف أحيانا يتعطل، هناك لذات عميقة وآلام مرهقة يقف أمامها العقل مكتوف اليدين ، يتعطل جهازه كله ؛ فالزوج الذي يحب زوجته ثم يفقدها في لحظة بأن يأخذها الموت من بين ذراعيه يواجه رغبة مستحيلة في بعثها، ولكنها ميتة في الحقيقة ، وهو يحاول أن يتكيف مع الوضع الجديد بأن ينساها ويبدأ علاقات أخرى بنساء أخريات ويتزوج زواجا ثانيا، ولكنه عاجز عن تجاوز محنته .
ولكن كيف نتخلص من لذة آسرة لنذوق من جديد لذة ثانية بنفس العمق وبنفس الحرارة ؟ يؤكد المؤلف أن ذلك يحدث فقط بالإيمان والدين لأن القلق هو مرض روحاني أصيل، إن القرص الواقي من القلق هو ساعة نقضيها في الفراش قبل أن ننام، نفكر فيما فعلناه ونزنه بميزان موضوعي هادئ.
على الإنسان القلق أن يبدأ خطوة إيجابية، فإننا لا نتعلم السباحة طالما أننا واقفون على الشاطئ، لن نتعلم إلا بقفزة واحدة تلقنا في وسط الماء، وسوف نحس ببرودة الماء تلسعنا ككرباج في البداية. لكننا ما نلبث حتى نتعود ويتحول الشعور بالبرد إلى شعور بالدفء ، وهكذا تكون نهاية القلق ، بمعرفة النفس التي ستقودك حتما إلى خالقها وحينها ستصل إلى بر السكينة وتصبح أكبر الأحداث في حياتك مجرد ارتعاشات على سطح بحر هادئ ما تلبث أن تسكن لتترك البحر شديد الهدوء شديد الصفاء.
لعنة النجاح
في هذا الجزء يؤكد المؤلف أن مقياس الحياة ليس النجاح إنك قد تحصل على شهادة وتفوز بوظيفة كبيرة ولقب ونيشان وثروة وتتزوج وتنجب أولادا وبنات. ومع ذلك لا تكون قد عشت، لأن الحياة ليست تعيينات ، ولكنها انفعالات، وقد تعيش كل هذا العمر دون أن يهزك انفعال حاد ويفتح عينيك قلق مبهم وتصهرك لذة حامية .
إن أشرف ما فينا يعتقل في اللحظة التي نتحول فيها إلى ناس ناجحين عمليين أولاد سوق، لأن مطامعنا الصغيرة الرخيصة تعتقل مطامعنا العالية الرفيعة .
فمثلا بحكم الوصول لابد لنا من المرونة والتكيف حتى لا نصطدم ونشتبك، لابد لنا من المداهنة والمجاملة والتملق ، لابد لنا من تجنب الصدق لأن الصدق يجرح، وتجنب الصراحة لأن الصراحة تصدم! ، وتجد نفسك من أجل النجاح مضطرا لأن تنافق الذين تكرههم لأن لهم فائدة، لابد أن نكتم في نفوسنا أشياء لأنه لا يحسن قولها، لابد أن نتنازل عن حريتنا عن نفوسنا.
وفي الوقت الذي نظن فيه أننا ننجح ونحقق أحلامنا ، إذا بنا في الحقيقة نفقد هذه الأحلام ونفقد أنفسنا ، وفي مقابل ماذا ، في مقابل نجاحنا المزعوم !
إن الناجح الحقيقي هو ذلك الذي يصرخ منذ ميلاده، جئت إلى العالم لأختلف معه، ولا يكف عن رفع يده في براءة الأطفال ليحطم بها كل ظلم وكل باطل .
الصديق والصدمة
كلنا بدأنا حياتنا في غرفة صغيرة دافئة اسمها الرحم، وفي هذه الغرفة كنا ننام في أمان وتركنا الطبيعة تتولى أمرنا وتقوم على خدمتنا ، لا قلق ، لا خوف ، لا شك ، ولماذا القلق وكل شئ يصلنا حتى أمعائنا ، والأكسجين يصلنا جاهزا دون أن نحرك رئاتنا ، الفضلات يغسلها دم الأم ، ثم فجأة تطردنا قوة مجهولة وتقذف بنا من الدفء والأمان إلى دنيا واسعة مجهولة.
وشيئا فشيئا من الطفولة إلى الصبا إلى الشباب يتم انتقاله إلى البيت الواسع الكبير الذي اسمه المجتمع ، والإنسان الطبيعي الذي انتقل في كل أدوار حياته انتقالات طبيعية وتكاملت شخصيته من مرحلة إلى مرحلة ينزل إلى الحياة كما ينزل في رحلة خلوية جميلة مليئة بالمفاجآت ، ويغامر في هذه الحياة بملء نفسه دون أن يخشى أن يخسر نفسه، وقد امتلأ إحساسا بأنه حر وأنه قادر ومسئول، وأنه يستطيع أن يفعل شيئا، وأن فاعليته يمكن أن تمتد إلى عائلته وإلى جيرانه وإلى بلده وإلى المجتمع والدنيا والإنسانية والتاريخ.
ولكن الأمر يختلف كثيرا إذا كان هذا الإنسان قد تلقى صدمة عنيفة قطعت الطريق على تطوره، وخنقت روحه وهي تأخذ أول أنفاسها. وهناك ألف نوع ونوع من الصدمة منها: المرض الحاد الذي يلم بالطفل وهو في باكورة حياته فيقعده، الحياة في بيت لا يكف فيه الشقاق والخناق بين الأم والأب، شعور الابن أنه الطفل المكروه وأن العائلة تفضل عليه أخاه، الشعور بالنقص نتيجة العاهة أو اللون أو الانتماء لأقلية منبوذة، الفشل في المدرسة والإفلاس في العمل والخيبة في الحب والشعور بالذنب.
ونتيجة هذه الصدمات أن يتوقف التطور الطبيعي ويتوقف نمو الشخصية، وبدلا من الروح التي كانت في طريقها إلى الدنيا والتعامل مع الحياة، تعود هذه الروح فتنضم على نفسها، تنكمش وتلتصق كما يلتصق الجنين بالرحم، والنفسانيون يسمون هذه الحالة بالنكوص،
وعلاج المصدوم لا يكون بإعادة الصلة بينه وبين الناس، ولكن بإعادة الصلة بينه وبين نفسه،
فالعلاج هو الإفشاء، والمفاتحة، والمكاشفة، والمناجاة الحميمة بين يدي صديق، أو حبيب، وحينما لا نجد الحب ولا نجد الصداقة، فمعناها أننا لم نجد القلوب الكبيرة وهي نادرة مثل كل شئ نادر، بعكس القلوب الصغيرة فهي موجودة بكثرة النمل.
أقوال غير مأثورة
بهذا العنوان يختتم د.مصطفى محمود كتابه الممتع ومن هذه الأقوال نختار:
• رضاء الضمير مستحيل، وفي اللحظات التي يخيل إليك أن ضميرك رضى عنك، لا يكون في الحقيقة قد رضى وإنما يكون قد مات.
• نحن أكثر وحشية من النمر، فالنمر يقتل ليأكل أما نحن فنقتل لنجعل من قرن الحيوان الذي نقتله رأسا لعصا.
• سلة القمامة التي نلقي بها بكل أفعالنا هي كلمة قسمة ونصيب.
• لم يحدث في التاريخ أن ثارت نملة واحدة على مملكة النمل والنتيجة أن النمل مازال إلى الآن نملا، وسيظل نملا إلى الأبد ولن يتطور.
• السعادة كالنوم كلما انتظرتها وسعيت إليها، هربت منك وطارت من جفنيك،
• لست أخاف من امرأة شريرة لأن شرها يجعلني أحتشد لها بكل أسلحتي، أما المرأة الفاضلة فإني أخافها وأرتعد منها لأن فضيلتها تجعلني ألقي بكل سلاحي، وأضع روحي بين كفيها، بلا تحفظ،
• لو لم يكن إبليس موجودا، لأوجدناه، لأننا لا نستطيع أن نعيش دون أن نمسح ذنوبنا في شبح نلعنه كل يوم ونرجمه لأنه غرر بنا،
• نحن في صبانا نبدو متأكدين من أشياء كثيرة، وفي شبابنا نحارب بحماس من أجل هذه الأشياء، وفي شيخوختنا نشعر أن المسألة لم تكن تستحق كل هذا الحماس وأن أغلب الأشياء التي اعتنقناها في تعصب، كانت خطأ. وهذا هو السبب في أن أسوأ السياسيين هم الشيوخ، لأنهم يعيشون في التردد، والشك، والافتقار إلى العقيدة.
• الذين يمتدحونني يضغطون عليّ ويحرمونني من حريتي، إنهم يشيدون أمامي حائطا من الغرور يسد عليّ طريق الرؤية.
طبعا خدوا بعين الاعتبار انه مصطفى محمود كان ملحد ..بعدين اسلم ..حتى اله كتاب اسمه (حوار مع صديقي الملحد) يدير فيه نقاشا (لا اعرف مفترض او حقيقي) مع شخص ملحد ويدحض كل افكاره بما لا يدع مجالا للشك ان الاسلام هو الدين الصحيح ..فسبحان مغير الاحوال..والحمد لله الذي هداه
نزل الكتاب و أقرأ على فكرة الكتاب مش كبير
و اسلوب مصطفى محمود رائع و مميز
على الرابط التالي
اضغط هـنـــا
لو لم يكن إبليس موجودا، لأوجدناه، لأننا لا نستطيع أن نعيش دون أن نمسح ذنوبنا في شبح نلعنه كل يوم ونرجمه لأنه غرر بنا،
الإنسان تتآكله شهوة غامضة خطرة. أخطر من شهوة الجنس، وأخطر من شهوة الطعام، هي شهوة العقيدة، شهوة اليقين، الشهوة إلى شئ يؤمن به ويصدقه، وهو في سبيل هذه الشهوة، قد يؤمن بحجر أو صنم أو تعويذة أو حجاب أو درويش أهبل، ليس لأنه ساذج أو مغفل، وإنما لأنه ضعيف، به ميل فطري، وشوق غريزي حاد إلى هدف يرتبط به، وكلمة يصدقها وعقيدة يعتقدها.
بهذه الكلمات يبدأ كتاب "الأحلام" الصادر عن دار المعارف عام 1992، نبحر بين صفحاته في عالم النفس الإنسانية المفعمة بالحب والقلق والخوف من الحاضر والمستقبل، والأحلام التي تعد إنعكاسات لكل هذه المشاعر، إنها وجبة إنسانية دسمة على مائدة النفس البشرية بقلم جراح بارع هو المفكر المصري الدكتور مصطفى محمود.
جوهر الأحلام
هناك قانون في علم النفس يؤكد أن النفس لا تفقد من مضمونها شيئا، لا يوجد شئ اسمه نسيان. كل إحساس ، وكل تجربة، وكل خبرة، وكل عاطفة مهما بلغت من الهوان والتفاهة لا تفنى ولا تستحدث، وكل أسرار قلوبنا ووجداننا غير قابلة للاندثار، كل ما في الأمر أنها تنطمس تحت سطح الوعي، وتتراكم في عقلنا الباطن لتظهر مرة أخرى في أشكال جديدة ، في زلة لسان أو نوبة غضب أو حلم غريب ذات ليلة. وما الأحلام إلا الحياة التي تدب في هذه العواطف التي ظننا أننا نسيناها.
ويعرض مصطفى محمود لبعض نظريات علماء النفس عن الأحلام، ففي حين يرى العالم برجسون أن الأحلام لا جديد فيها وإنما هي انعكاس للحياة الفسيولوجية التي يعيشها الجسم ، فإن فرويد يرى أن الأحلام هي بعث للرغبات الحرام المدفونة في النفس من أيام الطفولة، وتحقيق لما لا يمكننا تحقيقه في الواقع وما لا يليق أن نفكر فيه في يقظتنا ونحن بكامل وعينا.
أما كارل ج. يونج، فيعتقد أن الأحلام هي صوت الغيب لأن النوم يمنحنا الفرصة الذهبية التي ننتظرها، فرصة خلوتنا بأنفسنا. والأحلام هي هذا التفكير الذي يمتاز أحيانا بالصفاء لأنه يخلو من تشويش الواقع، ولذلك تأتي بعض تنبؤاته صادقة ومفاجئة لنا في يقظتنا.
حقيقة الحب
يكتب د. مصطفى محمود : إننا نشعر بالسعادة لأننا لا نتفرج على أنفسنا ونحن سعداء ولا نحلل طبائعنا في أثناء لحظة السرور، وإنما نعيش هذه اللحظة ونندمج فيها، ولكن بقى سؤال ظل يشغل بالي، ما هي حقيقة الحب؟ ومتى يكون الحب حقيقيا وهل هناك حب حقيقي؟.
إن الحب في مجتمعنا عاطفة معقدة، كل شئ في مجتمعنا العصري صناعي حتى الكلام أسلوب صناعي للتعبير، والإنسان في هذه الحياة فاقد لوعيه، فاقد لنفسه، فاقد لفطرته البيضاء النظيفة.
والحب أحيانا يعبر عن عقد نفسية فينا لا علاقة لها بمن نحبهم بالمرة. قد يعبر عن مركب النقص، أو مركب العظمة، أو السادية، أو الهستريا، أو الهروب، من المذاكرة، أو من وطأة الحياة اليومية، أو من مسئوليات البيت المرهقة، أو هروبا من أنفسنا.
أما الحب الحقيقي فيرى أنه موجود مثل الماء في باطن الأرض يكفي أن تدق عليه ماسورة فينفجر في ينبوع لا ينضب.
الحب عند د. مصطفى محمود إحساس جاهز فطري في داخلنا، .ينمو إذا واتته الظروف، والحب الصحيح خال من الغرض، وإنما تأتي الأغراض فيما بعد، حينما يحس كل حبيب أنه عاجز عن الحياة بدون الآخر، وأنه في حاجة إليه كل يوم وكل لحظة، ولا وسيلة إلى ذلك إلا بالزواج، ولهذا لا يكون الزواج هدفا مقصودا من البداية.
إن سقوط الكلفة وتكاشف الحبيبين بخفايا نفوسهما وتعارف الاثنين تعارفا نفسيا مكشوفا ، ضروري لنشوء الحب ، ولقيام العشرة الناجحة بعد الزواج ، وبغير هذا لا أمل في حل هذه المشكلة المعقدة ، وبغير هذا سيظل الزواج والحب أكاذيب متبادلة .
كرباج على العقل
هكذا يصف المؤلف ما يفعله القلق فينا ، إن أخطر ما يهدد حريتنا ليس السجن، ولكن مشنقة في داخلنا، .اسمها القلق.
الخوف من الفشل يترصد كل رغبة ليخنقها قبل أن تولد، وعقدة الذنب تجعل من كل عمل نعمله جريمة يؤاخذنا عليها الله والمجتمع والقوانين والآباء والأجداد.
إن مبررات القلق موجودة عند كل إنسان ، ومع ذلك لسنا كلنا قلقين ، وذلك لأن عقولنا لها طريقة سحرية تعالج بها هذا الصدام ، هذه الطريقة هي أن تتكيف وتتلاءم وتوفق بين رغباتنا وواقعنا، وتقوم بالترضية وتهون من الخسائر بإقناعنا بأنها ضرورية ولابد منها. وبهذا تتساقط المشاكل الواحدة بعد الأخرى.
ولكن التكيف أحيانا يتعطل، هناك لذات عميقة وآلام مرهقة يقف أمامها العقل مكتوف اليدين ، يتعطل جهازه كله ؛ فالزوج الذي يحب زوجته ثم يفقدها في لحظة بأن يأخذها الموت من بين ذراعيه يواجه رغبة مستحيلة في بعثها، ولكنها ميتة في الحقيقة ، وهو يحاول أن يتكيف مع الوضع الجديد بأن ينساها ويبدأ علاقات أخرى بنساء أخريات ويتزوج زواجا ثانيا، ولكنه عاجز عن تجاوز محنته .
ولكن كيف نتخلص من لذة آسرة لنذوق من جديد لذة ثانية بنفس العمق وبنفس الحرارة ؟ يؤكد المؤلف أن ذلك يحدث فقط بالإيمان والدين لأن القلق هو مرض روحاني أصيل، إن القرص الواقي من القلق هو ساعة نقضيها في الفراش قبل أن ننام، نفكر فيما فعلناه ونزنه بميزان موضوعي هادئ.
على الإنسان القلق أن يبدأ خطوة إيجابية، فإننا لا نتعلم السباحة طالما أننا واقفون على الشاطئ، لن نتعلم إلا بقفزة واحدة تلقنا في وسط الماء، وسوف نحس ببرودة الماء تلسعنا ككرباج في البداية. لكننا ما نلبث حتى نتعود ويتحول الشعور بالبرد إلى شعور بالدفء ، وهكذا تكون نهاية القلق ، بمعرفة النفس التي ستقودك حتما إلى خالقها وحينها ستصل إلى بر السكينة وتصبح أكبر الأحداث في حياتك مجرد ارتعاشات على سطح بحر هادئ ما تلبث أن تسكن لتترك البحر شديد الهدوء شديد الصفاء.
لعنة النجاح
في هذا الجزء يؤكد المؤلف أن مقياس الحياة ليس النجاح إنك قد تحصل على شهادة وتفوز بوظيفة كبيرة ولقب ونيشان وثروة وتتزوج وتنجب أولادا وبنات. ومع ذلك لا تكون قد عشت، لأن الحياة ليست تعيينات ، ولكنها انفعالات، وقد تعيش كل هذا العمر دون أن يهزك انفعال حاد ويفتح عينيك قلق مبهم وتصهرك لذة حامية .
إن أشرف ما فينا يعتقل في اللحظة التي نتحول فيها إلى ناس ناجحين عمليين أولاد سوق، لأن مطامعنا الصغيرة الرخيصة تعتقل مطامعنا العالية الرفيعة .
فمثلا بحكم الوصول لابد لنا من المرونة والتكيف حتى لا نصطدم ونشتبك، لابد لنا من المداهنة والمجاملة والتملق ، لابد لنا من تجنب الصدق لأن الصدق يجرح، وتجنب الصراحة لأن الصراحة تصدم! ، وتجد نفسك من أجل النجاح مضطرا لأن تنافق الذين تكرههم لأن لهم فائدة، لابد أن نكتم في نفوسنا أشياء لأنه لا يحسن قولها، لابد أن نتنازل عن حريتنا عن نفوسنا.
وفي الوقت الذي نظن فيه أننا ننجح ونحقق أحلامنا ، إذا بنا في الحقيقة نفقد هذه الأحلام ونفقد أنفسنا ، وفي مقابل ماذا ، في مقابل نجاحنا المزعوم !
إن الناجح الحقيقي هو ذلك الذي يصرخ منذ ميلاده، جئت إلى العالم لأختلف معه، ولا يكف عن رفع يده في براءة الأطفال ليحطم بها كل ظلم وكل باطل .
الصديق والصدمة
كلنا بدأنا حياتنا في غرفة صغيرة دافئة اسمها الرحم، وفي هذه الغرفة كنا ننام في أمان وتركنا الطبيعة تتولى أمرنا وتقوم على خدمتنا ، لا قلق ، لا خوف ، لا شك ، ولماذا القلق وكل شئ يصلنا حتى أمعائنا ، والأكسجين يصلنا جاهزا دون أن نحرك رئاتنا ، الفضلات يغسلها دم الأم ، ثم فجأة تطردنا قوة مجهولة وتقذف بنا من الدفء والأمان إلى دنيا واسعة مجهولة.
وشيئا فشيئا من الطفولة إلى الصبا إلى الشباب يتم انتقاله إلى البيت الواسع الكبير الذي اسمه المجتمع ، والإنسان الطبيعي الذي انتقل في كل أدوار حياته انتقالات طبيعية وتكاملت شخصيته من مرحلة إلى مرحلة ينزل إلى الحياة كما ينزل في رحلة خلوية جميلة مليئة بالمفاجآت ، ويغامر في هذه الحياة بملء نفسه دون أن يخشى أن يخسر نفسه، وقد امتلأ إحساسا بأنه حر وأنه قادر ومسئول، وأنه يستطيع أن يفعل شيئا، وأن فاعليته يمكن أن تمتد إلى عائلته وإلى جيرانه وإلى بلده وإلى المجتمع والدنيا والإنسانية والتاريخ.
ولكن الأمر يختلف كثيرا إذا كان هذا الإنسان قد تلقى صدمة عنيفة قطعت الطريق على تطوره، وخنقت روحه وهي تأخذ أول أنفاسها. وهناك ألف نوع ونوع من الصدمة منها: المرض الحاد الذي يلم بالطفل وهو في باكورة حياته فيقعده، الحياة في بيت لا يكف فيه الشقاق والخناق بين الأم والأب، شعور الابن أنه الطفل المكروه وأن العائلة تفضل عليه أخاه، الشعور بالنقص نتيجة العاهة أو اللون أو الانتماء لأقلية منبوذة، الفشل في المدرسة والإفلاس في العمل والخيبة في الحب والشعور بالذنب.
ونتيجة هذه الصدمات أن يتوقف التطور الطبيعي ويتوقف نمو الشخصية، وبدلا من الروح التي كانت في طريقها إلى الدنيا والتعامل مع الحياة، تعود هذه الروح فتنضم على نفسها، تنكمش وتلتصق كما يلتصق الجنين بالرحم، والنفسانيون يسمون هذه الحالة بالنكوص،
وعلاج المصدوم لا يكون بإعادة الصلة بينه وبين الناس، ولكن بإعادة الصلة بينه وبين نفسه،
فالعلاج هو الإفشاء، والمفاتحة، والمكاشفة، والمناجاة الحميمة بين يدي صديق، أو حبيب، وحينما لا نجد الحب ولا نجد الصداقة، فمعناها أننا لم نجد القلوب الكبيرة وهي نادرة مثل كل شئ نادر، بعكس القلوب الصغيرة فهي موجودة بكثرة النمل.
أقوال غير مأثورة
بهذا العنوان يختتم د.مصطفى محمود كتابه الممتع ومن هذه الأقوال نختار:
• رضاء الضمير مستحيل، وفي اللحظات التي يخيل إليك أن ضميرك رضى عنك، لا يكون في الحقيقة قد رضى وإنما يكون قد مات.
• نحن أكثر وحشية من النمر، فالنمر يقتل ليأكل أما نحن فنقتل لنجعل من قرن الحيوان الذي نقتله رأسا لعصا.
• سلة القمامة التي نلقي بها بكل أفعالنا هي كلمة قسمة ونصيب.
• لم يحدث في التاريخ أن ثارت نملة واحدة على مملكة النمل والنتيجة أن النمل مازال إلى الآن نملا، وسيظل نملا إلى الأبد ولن يتطور.
• السعادة كالنوم كلما انتظرتها وسعيت إليها، هربت منك وطارت من جفنيك،
• لست أخاف من امرأة شريرة لأن شرها يجعلني أحتشد لها بكل أسلحتي، أما المرأة الفاضلة فإني أخافها وأرتعد منها لأن فضيلتها تجعلني ألقي بكل سلاحي، وأضع روحي بين كفيها، بلا تحفظ،
• لو لم يكن إبليس موجودا، لأوجدناه، لأننا لا نستطيع أن نعيش دون أن نمسح ذنوبنا في شبح نلعنه كل يوم ونرجمه لأنه غرر بنا،
• نحن في صبانا نبدو متأكدين من أشياء كثيرة، وفي شبابنا نحارب بحماس من أجل هذه الأشياء، وفي شيخوختنا نشعر أن المسألة لم تكن تستحق كل هذا الحماس وأن أغلب الأشياء التي اعتنقناها في تعصب، كانت خطأ. وهذا هو السبب في أن أسوأ السياسيين هم الشيوخ، لأنهم يعيشون في التردد، والشك، والافتقار إلى العقيدة.
• الذين يمتدحونني يضغطون عليّ ويحرمونني من حريتي، إنهم يشيدون أمامي حائطا من الغرور يسد عليّ طريق الرؤية.
طبعا خدوا بعين الاعتبار انه مصطفى محمود كان ملحد ..بعدين اسلم ..حتى اله كتاب اسمه (حوار مع صديقي الملحد) يدير فيه نقاشا (لا اعرف مفترض او حقيقي) مع شخص ملحد ويدحض كل افكاره بما لا يدع مجالا للشك ان الاسلام هو الدين الصحيح ..فسبحان مغير الاحوال..والحمد لله الذي هداه