أولا: تعريف وبيان:
- تعريفها لغة.
- تعريفها شرعا.
ثانيا: فضلها.
ثالثا: الأدلة على مشروعيتها.
- الكتاب.
- السنة.
- الإجماع.
رابعا: الحكمة من مشروعيتها.
خامسا: حكمها.
سادسا: شروطها.
سابعا: آداب متعلقة بالأضحية.
1- عدم أخذ المضحي من شعره ولا بشرته.
2- تسمين الضحايا.
ثامنا: مسائل متعلقة بالأضحية:
1- هل ذبح الأضحية أفضل أم التصدق بثمنها؟
2- أيها أفضل الأضحية بالإبل أو البقر أو الغنم؟
3- حكم الاشتراك في الأضحية.
4- عمن تجزئ الأضحية الواحدة؟
5- طروء العيب على الأضحية بعد التعيين.
6- الاستدانة من أجل الأضحية.
7- توزيع الأضحية.
8- الأضحية عن الميت.
9- ذبيحة المرأة والصبي.
تاسعا: آداب متعلقة بذبح الأضحية.
عاشرا: بدع ومخالفات.
أولا: تعريف وبيان:
الأضحية في اللغة: بضم الهمزة وكسرها، وبتخفيف الياء وتشديدها، وجمعها أضاحي،
وأضاحي. ويقال: ضحية بفتح الضاد وكسرها، وجمعها ضحايا، وأضحاة بفتح الهمزة
وكسرها، وجمعها أضحى منونة، ومثله أرطى جمع أرطاة. والأصل في هذه التسمية: الذبح
وقت الأضحى، ثم أطلق ذلك على ما ذبح في أي وقت كان من أيام التشريق.
وهي شرعا: ما يذبح من بهيمة الأنعام في أيام النحر تقربا إلى الله تعالى.
انظر: الصحاح (6/2407). ولسان العرب. مادة (ضحا) (14/477).
انظر: شرح الرسالة ، مغني المحتاج ، كشاف القناع ، الشرح الممتع .
ثانيا: فضلها:
قد وردت أحاديث في فضلها لكن لا يصح منها شيء.
نقل الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله عن بعض أهل العلم ـ وأبهمه ـ أنه لا يصح في الضحايا
شيء.
فمن تلك الأحاديث:
ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عمل آدمي من
عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها
وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها
نفسا)).
وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا فاطمة، قومي إلى أضحيتك
فاشهديها؛ فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه...)) الحديث.
وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم أضحى : " ما عمل ابن
آدم في هذا اليوم ، أفضل من دم يهراق ، إلا أن يكون رحما مقطوعة توصل " *.
التحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث (ص209).
د أخرجه الترمذي في الأضاحي (1493)، وابن ماجه في الأضاحي (3126)، وقال
الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه الحاكم (4/222)، وتعقبه الذهبي والمنذري،
وضعف هذا الحديث الألباني في الضعيفة (526).
ثالثا: الأدلة على مشروعيتها:
قال ابن قدامة رحمه الله: "الأصل في مشروعية الأضحية الكتاب والسنة والإجماع".
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر:2].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الصلاة: المكتوبة، والنحر: النسك والذبح يوم الأضحى).
وعن عكرمة وعطاء والحسن وقتادة ومجاهد: أي إذا صليت يوم الأضحى فانحر.
قال ابن قدامة: "قال بعض أهل التفسير: المراد به الأضحية بعد صلاة العيد".
قال ابن كثير رحمه الله: "والصحيح القول الأول: أن المراد بالنحر ذبح المناسك؛ ولهذا
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه".
وقال ابن سعدي رحمه الله: "خص هاتين العبادتين بالذكر لأنهما أفضل العبادات، وأجل
القربات... وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من الأضاحي، وإخراج للمال
الذي جبلت النفوس على محبته والشح به".
أما السنة: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي
بكبشين .
أما الإجماع: فقد نقله غير واحد.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية".
وقال ابن حجر رحمه الله: "ولا خلاف في كونها من شرائع الدين".
وهي مشروعة في جميع الملل
رابعا: الحكمة من مشروعيتها:
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وهي من نعمة الله على الإنسان أن يشرع الله للمسلم ما يشارك
به أهل موسم الحج؛ لأن أهل الموسم لهم الحج والهدي، وأهل الأمصار لهم الأضحية، ولهذا
نجد من فضل الله ورحمته أنه جعل لأهل الأمصار نصيبا مما لأهل المناسك، مثل: ترك الأخذ
من الشعر والظفر في أيام العشر من أجل أن يشارك أهل الأمصار أهل الإحرام بالتعبد لله
تعالى، بترك الأخذ من هذه الفضولات، ولأجل أن يشاركوا أهل الحج في التقرب إلى الله
تعالى بذبح الأضاحي، لأنه لولا هذه المشروعية لكان ذبحها بدعة، ولنهي الإنسان عنها،
ولكن الله شرعها لهذه المصالح العظيمة".
وكذلك "شرع الله الأضحية لتحقيق الحكم التالية:
1- اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام، الذي أمر بذبح فلذة كبده، فصدق الرؤيا،
ولبى، وتله للجبين، فناداه الله وفداه بذبح عظيم، وصدق الله العظيم إذ يقول: {فلما
بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت
افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه
أن ياإبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هاذا لهو البلاء
المبين * وفديناه بذبح عظيم} [الصافات:102-107]، ففي ذبح الأضاحي إحياء هذه السنة،
وتضحية بشيء مما أفاء الله على الإنسان، شكرا لصاحب النعمة ومسديها، وغاية الشكر محض
الطاعة بامتثال الأمر.
2- توسعة على الناس يوم العيد، فحين يذبح المسلم أضحيته يوسع على نفسه وأهل بيته،
وحين يهدي منها إلى أصدقائه وجيرانه وأقاربه فإنه يوسع عليهم، وحين يتصدق منها
على الفقراء والمحتاجين فإنه يغنيهم عن السؤال في هذا اليوم الذي هو يوم فرح
وسرور".
خامسا: حكمها:
اختلف العلماء في حكم الأضحية إلى قولين هما:
القول الأول: الوجوب على المقيم الموسر، وبه قالت الحنفية واستظهره شيخ الإسلام
ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
ومما استدلوا به:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان له سعة
ولم يضح فلا يقربن مصلانا).
وعن مخنف بن سليم رضي الله عنه قال: كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة،
فقال: ((يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة)) الحديث.
وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر صلى ثم
خطب فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح بسم
الله)).
القول الثاني: أنها سنة مستحبة، وهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة
، وإليه ذهب أبو محمد بن حزم، رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخلت العشر،
وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمسن من شعره وبشره شيئا)).
قالوا: علق الذبح على الإرادة، والواجب لا يعلق على الإرادة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى، فلما
قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((بسم
الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي)).
قالوا: فمن لم يضح منا، فقد كفاه تضحية النبي صلى الله عليه وسلم، وناهيك بها أضحية.
وعن أبي سريحة أو أبي سريج الغفاري قال: أدركت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، كانا لا
يضحيان، في بعض حديثهم: كراهية أن يقتدى بهما.
واستدل بعضهم بالبراءة الأصلية، وأنه لا دليل صحيح صريح يعتمد عليه الموجبون.
وذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء إلى أنها: سنة كفاية.
سادسا: شروطها:
1- أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم.
قال تعالى: {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج:28].
قال القرطبي رحمه الله: "والأنعام هنا: الإبل والبقر والغنم".
ونقل بعضهم الإجماع على ذلك.
2- أن تكون قد بلغت السن المعتبر شرعا.
لحديث البراء وفيه: فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح، فقال: عندي جذعة، فقال صلى الله
عليه وسلم: ((اذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك)).
وهذا يدل على أنه لا بد من بلوغ السن المعتبر شرعا.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا الجذع من
الضأن)).
فلا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا ما كان مسنة، سواء كان ذكرا أم أنثى.
والمسن من الإبل: ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة.
والمسن من البقر: ما أتم سنتين ودخل في الثالثة.
والمسن من المعز: ما بلغ سنة ودخل في الثانية.
ويجزئ الجذع من الضأن وهو: ما بلغ ستة أشهر ودخل في السابع.
3- أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء المنصوص عليها في حديث البراء
بنعازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار
بيده، وقال: ((أربع: العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين
مرضها، والعجفاء التي لا تنقي)).
قال الخطابي رحمه الله: "قوله: ((لا تنقي)) أي: لا نقي لها، وهو المخ، وفيه دليل على
أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه، ألا تراه يقول: ((بين عورها)) و((بين
مرضها)) و((بين ظلعها))، فالقليل منه غير بين فكان معفوا عنه"([9]).
وقال شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله: "((بين)) أي: ظاهر ((عورها)) ـ بالعين
والواو المفتوحتين وضم الراء ـ أي: كما هي في عين، وبالأولى في عينين،
((والمريضة)) هي التي لا تعتلف، ((بين ظلعها)) ـ بسكون اللام ويفتح ـ أي: عرجها،
وهو أن يمنعها من المشي"([10]).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "((العجفاء)) وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، فالمخ مع
الهزال يزول، ويبقى داخل العظم أحمر، فهذه لا تجزئ؛ لأنها ضعيفة البنية كريهة
المنظر"([11]).
وعن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بعضباء الأذن
والقرن. قال قتادة: فذكرت لسعيد بن المسيب، قال: العضب النصف فأكثر من ذلك([12]).
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وعلى كل حال ينبغي أن نقسم العيوب إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما دلت عليه السنة على عدم إجزائه، وهي أربع: العوراء البين عورها،
والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي، فهذه منصوص على عدم إجزائها، ويقاس عليها ما كان مثلها أو أولى منها، وأما ما كان مثلها فإنه يقاس عليها قياس مساواة، وأما ما كان أولى منها فيقاس عليها قياس أولوية.
القسم الثاني: ما ورد النهي عنه دون عدم الإجزاء، وهو ما في أذنه أو قرنه عيب من خرق، أو شق طولا، أو شق عرضا، أو قطع يسير دون النصف، فهذه ورد النهي عنها في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن هذا النهي يحمل على الكراهة، لوجود الحاصر لعدم المجزئ بأربعة أصناف.
القسم الثالث: عيوب لم يرد النهي عنها، ولكنها تنافي كمال السلامة، فهذه لا أثر لها، ولا تكره الأضحية بها ولا تحرم، وإن كانت قد تعد عند الناس عيبا مثل: العوراء التي عورها غير بين، ومثل: مكسورة السن في غير الثنايا، وما أشبه ذلك، ومثل: العرجاء عرجا يسيرا، فهذه عيوب لكنها لا تمنع الإجزاء، ولا توجب الكراهة لعدم وجود الدليل، والأصل البراءة"([13]).
4- أن تكون ملكا للمضحي، أو مأذونا له فيها، فلا تصح التضحية بالمغصوب والمسروق، والمشترك بين اثنين إلا بإذن الشريك.
5- ألا يتعلق بها حق الغير، فلا تصح التضحية بالمرهون، ولا بالموروث قبل قسمته.
6- أن تقع الأضحية في الوقت المحدد شرعا، فإن ذبحت قبله أو بعده لم تجزئ.
وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنة، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء))([14]).
كما أنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يجوز عملا بالحديث السابق وحديث جندب بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي - أو نصلي - فليذبح مكانها أخرى))([15]).
ولكن اختلفوا في بدء وقت الذبح عند من يصلي العيد، على أقوال هي:
القول الأول: أن الذبح يبدأ من بعد الفراغ من الصلاة. وبه قالت الحنفية([16])، والحنابلة([17]).
القول الثاني: أن الذبح يبدأ من بعد مضي قدر الصلاة وخطبتين، سواء صلى الإمام أم لا. وإليه ذهبت الشافعية([18])، وبه قال ابن حزم([19]).
القول الثالث: أنه من بعد ذبح إمام صلاة العيد أو قدره إن لم يذبح لعذر، فإن لم يذبح لغير عذر فمن بعد فعل الصلاة([20]).
واختلفوا في بداية وقت الذبح عند من لا يصلي العيد كأهل البوادي والمسافرين ونحوهم على أقوال هي:
القول الأول: يذبح من بعد طلوع الفجر من يوم النحر، وبه قالت الحنفية([21]).
القول الثاني: من بعد ذبح أقرب الأئمة إليه. وبه قالت المالكية([22]).
القول الثالث: من بعد مضي قدر الصلاة والخطبة بعد دخول الوقت. وإليه ذهبت الشافعية([23])، وقال به ابن حزم([24]).
القول الرابع: من بعد مضي قدر الصلاة بعد دخول الوقت. وهو قول الحنابلة([25]).
وأما آخر وقت ذبح الأضحية فاختلف أهل العلم في ذلك على أقوال، أصحها قولان:
القول الأول: هو يوم النحر ويومان بعده، وهو قول الحنفية([26])، والمالكية([27])، والحنابلة([28]).
ومما استدلوا به آثار عدة عن جمع من الصحابة منها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (الأضحى يومان بعد يوم الأضحى) ([29]).
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: (الذبح بعد النحر يومان)([30]).
القول الثاني: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة تبع ليوم العيد، وبه قالت الشافعية([31])، ورواية عن أحمد([32])، واختيار ابن تيمية([33])، وابن القيم([34]) رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به ما يلي:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب))([35]).
قالوا: فجعل حكمها واحدا أنها أيام أكل لما يذبح فيها، وشرب، وذكر لله عز وجل([36]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل أيام التشريق ذبح))([37]).
وقالوا: إنها كلها يشرع فيها التكبير المطلق والمقيد، ولم يفرق أحد من العلماء فيما نعلم بين هذه الأيام الثلاثة في التكبير، فهي مشتركة في جميع الأحكام، وإن كانت كذلك فلا يمكن أن نخرج عن هذا الاشتراك وقت الذبح([38]).
وقد ذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء([39])، وكذلك ابن عثيمين([40]) إلى هذا القول.
وهذا القول قوي من حيث النظر، لولا ما عارضه مما ثبت عن غير واحد من الصحابة كابن عباس وابن عمر وأبي هريرة من غير اختلاف عليهم في ذلك، وهو مما يقوي مذهب الجمهور، قال الطحاوي: "ولم يروعن أحد من الصحابة خلافه، فثبت حجته، وأيضا فإن مثله لا يقال من جهة الرأي، فدل على أنه توقيف"([41]).
سابعا: آداب متعلقة بالأضحية:
من ذلك:-
1- عدم الأخذ من الشعر والبشرة إذا دخلت العشر لمن أراد أن يضحي.
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يلمس من شعره وبشره شيئا))([1]).
قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: ما يجتنب الرجل إذا أراد أن يضحي؟ قال: "لا يأخذ من شعره، ولا من بشره"([2]).
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن من أراد التضحية، ودخل يوم العشر فلا يأخذ من شعره وبشره شيئا"([3]).
قال النووي رحمه الله: "قال أصحابنا: والحكمة من النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار، وقيل: التشبه بالمحرم. قال أصحابنا: وهذا غلط؛ لأنه لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم"([4]).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والحكمة من ذلك: أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليه، والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة، كالمحرم لا يأخذ من شعره شيئا، يعني لا يترفه فهؤلاء أيضا مثله، وهذا من عدل الله عز وجل وحكمته"([5]).
وهذا الحكم خاص بمن يضحي لا يتناول من يضحى عنهم.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "ظاهر التحريم خاص بمن يضحي، وعلى هذا فيكون التحريم مختصا برب البيت، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بمن يضحي، فمفهومه: أن من يضحى عنه لا يثبت له هذا الحكم، وكان صلى الله عليه وسلم يضحي عن أهل بيته، ولم ينقل أنه قال لهم: لا تأخذوا من شعوركم وأظافركم وأبشاركم شيئا، ولو كان ذلك حراما عليهم لنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وهذا هو الراجح"([6]).
2- الأفضل في الأضحية صفة ما توافرت فيها صفات التمام والكمال من بهيمة الأنعام، ومنها: السمن، كثرة اللحم، كمال الخلقة، جمال المنظر، غلاء الثمن.
عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا أمامة بن سعد قال: (كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسنمون)([7]).
ثامنا: مسائل متعلقة بالأضحية:
1- هل ذبح الأضحية أفضل أم التصدق بثمنها؟
التضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل المسلمين من بعده.
قال ابن تيمية رحمه الله: "والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك"([1]).
وقال ابن القيم رحمه الله: "الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه، ولو زاد، كالهدايا والضحايا، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر:2]، وقال تعالى: {قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين} [الأنعام:162]"([2]).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "والأفضل أن تضحي، فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وأفضل من شراء لحم بقدرها أو أكثر ليتصدق به؛ وذلك لأن المقصود الأهم في الأضحية هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها لقوله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولاكن يناله التقوى منكم} [الحج:37]"([3]).
وقال أيضا: "والذي يدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فإنهم كانوا يضحون ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل لعدلوا إليه، بل لو كانت تساويه لعملوا بها أحيانا؛ لأنها - أي الصدقة - أيسر وأسهل...، وأيضا لو عدلوا إلى الصدقة لتعطلت شعيرة عظيمة نوه الله عليها في كتابه في عدة آيات"([4]).
2- أيها أفضل الأضحية بالإبل أو البقر أو الغنم؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أفضل الأضحية الإبل ثم البقر ثم الغنم، وهو قول الحنفية([5])، والشافعية([6]) والحنابلة([7])، وبه قال أبو محمد بن حزم([8])، رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله، وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها))([9]).
قالوا: والإبل أغلى ثمنا من البقر، والبقر أغلى ثمنا من الغنم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن))([10]) الحديث.
قالوا: وجود المفاضلة في التقرب إلى الله بين الإبل والبقر والغنم، ولا شك أن الأضحية من أعظم التقرب إلى الله تعالى، ولأن البدنة أكثر ثمنا ولحما ونفعا([11]).
القول الثاني: أن الأفضل الغنم ثم البقر ثم الإبل. وهو قول المالكية([12]) رحمهم الله.
ومما استدلوا به:
حديث أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين([13]).
قالوا: وما كان صلى الله عليه وسلم يختار لخاصته ولا يفعل إلا الأفضل.
وأجاب عن ذلك ابن حزم رحمه الله بأنه محمول على التخفيف لرفع المشقة([14]).
واعلم أن كلام الجمهور محمول على من ضحى عن نفسه وأهل بيته ببعير أو بقرة، لا سبع بعير أو سبع بقرة، وإلا فالغنم في هذه الحالة أفضل([15]).
3- حكم الاشتراك في الأضحية:
اختلف أهل العلم رحمهم الله في جواز الاشتراك في الأضحية على قولين:
القول الأول: جواز الاشتراك، وبه قالت الحنفية([16])، والشافعية([17])، والحنابلة([18])، وبه قال ابن حزم([19])، رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة([20]).
قالوا: وتقاس عليه الأضاحي.
وقالوا: إن اشتراك السبعة في الجزور أو البقرة هو المشهور عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم([21]).
القول الثاني: أنه لا يجوز الاشتراك في الأضحية وهو قول المالكية([22])، وإليه ذهب جمع من أئمة الدعوة كعبد الله بن عبد اللطيف، وعبد الله أبا البطين، ومحمد بن إبراهيم([23])، رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
أن الأصل عدم جواز التشريك، والقياس لا يصح([24]).
وقالوا: إنه حيوان يضحى به، فلم يجزئ إلا عن واحد، كالشاة، ولأن كل واحد يصير مخرجا للحم بعض بدنة أو بقرة، وذلك لا يكون أضحية، كما لو اشترى لحما، ولأن كل إنسان مخاطب بفعل ما يسمى أضحية، وهذا الاسم ينطلق على الدم دون اللحم، ولأنه اشتراك في دم، فوجب ألا يجزئ مريد القربة([25]).
4- عمن تجزئ الأضحية الواحدة؟
وتجزئ الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته، وإن كثروا.
لحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون([26]).
قال ابن القيم رحمه الله: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل، وعن أهل بيته ولو كثر عددهم"([27]).
5- طروء العيب على الأضحية بعد التعيين:
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: إذا تعيبت بعد أن أوجبها فإنها تجزئ إذا لم يكن ذلك العيب بفعله أو تفريط منه. وهو قول المالكية([28]) في الأضاحي دون الهدي، والشافعية([29])، والحنابلة([30]).
ومما استدلوا به:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ابتعنا كبشا نضحي به، فأصاب الذئب من أليته أو أذنه، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم: فأمر أن نضحي به([31]).
قالوا: وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء، لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه أمين، ولا ضمان عليه([32]).
وبحديث ابن عباس، قال موسى بن سلمة الهذلي: انطلقت أنا وسنان بن سلمة معتمرين، قال: وانطلق سنان معه ببدنة يسوقها، فأزحفت عليه بالطريق فعيي بشأنها، إن هي أبدعت كيف يأتي بها، فقال: لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك، قال فأضحيت فلما نزلنا البطحاء قال: انطلق إلى ابن عباس نتحدث إليه، قال: فذكر له شأن بدنته فقال: على الخبير سقطت، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة مع رجل وأمره فيها، قال: فمضى ثم رجع، فقال: يا رسول الله، كيف أصنع بما أبدع علي منها؟ قال: ((انحرها، ثم اصبغ نعليها في دمها، ثم اجعله على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك))([33]).
القول الثاني: أنها لا تجزئ، وإليه ذهبت الحنفية([34]).
لأن الأضحية عندهم واجبة، فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة، كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وأما إذا اشترى أضحية، فتعيبت قبل الذبح، ذبحها في أحد قولي العلماء، وإن تعيبت عند الذبح أجزأ في الموضعين"([35]).
6- الاستدانة من أجل الأضحية:
سئل ابن تيمية رحمه الله عمن لا يقدر على الأضحية، هل يستدين؟
فقال: "الحمد لله رب العالمين، إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك، والله أعلم"([36]).
7- توزيع الأضحية:
يستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدق، والأمر في ذلك واسع، من حيث المقدار، ولكن المختار عند أهل العلم أن يأكل ثلثا، ويهدي ثلثا، ويتصدق بثلث([37]).
ولا فرق في جواز الأكل والإهداء من الأضحية بين أن تكون تطوعا، أو واجبة، ولا بين أن تكون عن حي أو ميت أو وصية.
ويحرم بيع شيء من الأضحية من لحمها، أو جلدها، أو صوفها، ولا يعطي الجزار منها شيئا أجرة على ذبحه؛ لأن ذلك بمعنى البيع([38]).
8- الأضحية عن الميت:
قال ابن تيمية رحمه الله: "وتجوز الأضحية عن الميت، كما يجوز الحج عنه، والصدقة عنه، ويضحى عنه في البيت، ولا يذبح عند القبر أضحية ولا غيرها"([39]).
وقال رحمه الله: "والتضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها"([40]).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "مسألة: هل الأضحية مشروعة عن الأموات أو عن الأحياء؟
الجواب: مشروعة عن الأحياء، إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة فيما أعلم أنهم ضحوا عن الأموات استقلالا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات له أولاد من بنين أو بنات في حياته، وماتت له زوجات وأقارب يحبهم، ولم يضح عن واحد منهم، فلم يضح عن عمه حمزة ولا زوجته خديجة، ولا عن زوجته زينب بنت خزيمة، ولا عن بناته الثلاث، ولا عن أولاده، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته قولا أو فعلا، وإنما يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته.
وأما إدخال الميت تبعا فهذا قد يستدل له بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عنه وعن أهل بيته، وأهل بيته يشمل زوجاته اللاتي متن واللاتي على قيد الحياة، وكذلك ضحى عن أمته، وفيهم من هو ميت، وفيهم من لم يوجد، لكن الأضحية عليهم استقلالا لا أعلم لذلك أصلا في السنة. ولهذا قال بعض العلماء: إن الأضحية عنهم استقلالا بدعة ينهى عنها، ولكن القول بالبدعة قول صعب؛ لأن أدنى ما نقول فيها أنها من جنس الصدقة، وقد ثبت جواز الصدقة عن الميت.
وقال رحمه الله: "وأما الأضحية عن الأموات فهي ثلاثة أقسام: الأول أن تكون تبعا للأحياء كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله
وفيهم أموات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي ويقول: ((اللهم هذا عن محمد وآل محمد)) وفيهم من مات سابقا.
الثاني: أن يضحي عن الميت استقلالا تبرعا فقد نص فقهاء الحنابلة على أن ذلك من الخير وأن ثوابها يصل إلى الميت
وينتفع به، قياسا على الصدقة عنه، ولم ير العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي به، لكن من الخطأ ما يفعله كثير
من الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعا، ثم لا يضحون عن أنفسهم وأهليهم الأحياء فيتركون ما جاءت به السنة، ويحرمون
أنفسهم فضيلة الأضحية، وهذا من الجهل، وإلا فلو علموا بأن السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته فيشمل الأحياء
والأموات، وفضل الله واسع.
الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته فتنفذ وصيته كما أوصى بها بدون زيادة ولا نقص".
وذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء إلى جواز ذلك.
9- ذبيحة المرأة والصبي:
عن كعب بن مالك رضي الله عنه ، أن امرأة ذبحت شاة بحجر ، فسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ، فأمر بأكلها.
قال ابن حجر رحمه الله: "وفيه جواز أكل ما ذبحته المرأة سواء كانت حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة".
وكان أبو موسى يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيديهن.
وعن إبراهيم النخعي قال في ذبيحة المرأة والصبي: "لا بأس إذا أطاق الذبيحة وحفظ التسمية".
قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي".
تاسعا: آداب متعلقة بذبح الأضحية:
1- حد السكين، وإراحة الذبيحة:
عن شداد بن أوس، قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم بأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)).
2- يستحب إمرار السكين بقوة وتحامل ذهابا وعودا، ليكون أوجى وأسهل.
3- استقبال الذابح القبلة بأضحيته، لفعل ابن عمر رضي الله عنهما، ولأنها أولى الجهات بالاستقبال.
4- أن ينحر البعير قائما على ثلاث قوائم، معقول الركبة، وإلا فباركا. لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ابعثها قياما مقيدة
سنة محمد صلى الله عليه وسلم....
والبقر والغنم يستحب أن يضجعها على الجنب الأيسر.
5- ويستحب أن يذبحها بيده ويضع رجله على صفاحها، ويقول: بسم الله الله أكبر، اللهم هذا عني وعن آل بيتي، أو عن آل فلان،
لقول أنس رضي الله عنه: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر،
فذبحهما بيده.
قال ابن حجر: "وفيه استحباب التكبير مع التسمية، واستحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن، واتفقوا على أن
إضجاعها يكون على الجانب الأيسر، فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين وإمساك رأسها
بيده اليسار".
ولحديث عائشة وفيه: ثم ذبحه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد)) ثم
ضحى به.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وأما الأضحية فإنه يستقبل بها القبلة، فيضجعها على الأيسر، ويقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم
تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك".
عاشرا: بعض البدع والمخالفات الشرعية في الأضحية:
1- لطخ الجباه بدم الأضحية:
جاء في أجوبة اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه:
لا نعلم للطخ الجباه بدم الأضحية أصلا لا من الكتاب ولا من السنة، ولا نعلم أن أحدا من الصحابة فعله، فهو بدعة؛ لقوله
صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، وفي رواية: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))،
متفق على صحته.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود | عبد الله بن غديان | عبد الرزاق عفيفي | عبد العزيز ابن باز
2- الوضوء لذبح الضحية:
وجاء في أجوبتها أيضا:
لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ بعد صلاة عيد الأضحى من أجل أن يذبح أضحيته، ولم يعرف ذلك أيضا عن السلف
الصالح، والقرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، فمن توضأ من أجل ذبح أضحيته فهو جاهل مبتدع؛
لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، ولكنه إذا ارتكب ذلك بأن
توضأ لذبح أضحيته فذبيحته مجزئة له ما دام مسلما لا يعرف عنه ما يوجب تكفيره، ويجوز الأكل منها له ولغيره.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن غديان | عبد الرزاق عفيفي | عبد العزيز ابن باز
3- ومن البدع أيضا ما ذكره ابن عثيمين رحمه الله حيث قال: "وأما ما يفعله بعض العامة عندنا يسميها في ليلة العيد ـ أ
ي: الأضحية ـ ويمسح ظهرها من ناصيتها إلى ذنبها، وربما يكرر ذلك: هذا عني، هذا عن أهل بيتي، هذا عن أمي، وما أشبه
ذلك فهذا من البدع، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم".
4- ومن البدع: ما يفعله "من يطوف حولها ـ أي الأضحية ـ، أو يتخطاها هو وأهل بيته قبل ذبحها، ومن يهلل ويكبر بصوت
جماعي مع أهل بيته حال الطواف حولها، ونحو ذلك من المحدثات التي سببها انتشار الأحاديث التي لا خطام لها ولا زمام".
واسال الله ان يتقبل منا ومنكم وكل عام وانتم بخير
منقول
- تعريفها لغة.
- تعريفها شرعا.
ثانيا: فضلها.
ثالثا: الأدلة على مشروعيتها.
- الكتاب.
- السنة.
- الإجماع.
رابعا: الحكمة من مشروعيتها.
خامسا: حكمها.
سادسا: شروطها.
سابعا: آداب متعلقة بالأضحية.
1- عدم أخذ المضحي من شعره ولا بشرته.
2- تسمين الضحايا.
ثامنا: مسائل متعلقة بالأضحية:
1- هل ذبح الأضحية أفضل أم التصدق بثمنها؟
2- أيها أفضل الأضحية بالإبل أو البقر أو الغنم؟
3- حكم الاشتراك في الأضحية.
4- عمن تجزئ الأضحية الواحدة؟
5- طروء العيب على الأضحية بعد التعيين.
6- الاستدانة من أجل الأضحية.
7- توزيع الأضحية.
8- الأضحية عن الميت.
9- ذبيحة المرأة والصبي.
تاسعا: آداب متعلقة بذبح الأضحية.
عاشرا: بدع ومخالفات.
أولا: تعريف وبيان:
الأضحية في اللغة: بضم الهمزة وكسرها، وبتخفيف الياء وتشديدها، وجمعها أضاحي،
وأضاحي. ويقال: ضحية بفتح الضاد وكسرها، وجمعها ضحايا، وأضحاة بفتح الهمزة
وكسرها، وجمعها أضحى منونة، ومثله أرطى جمع أرطاة. والأصل في هذه التسمية: الذبح
وقت الأضحى، ثم أطلق ذلك على ما ذبح في أي وقت كان من أيام التشريق.
وهي شرعا: ما يذبح من بهيمة الأنعام في أيام النحر تقربا إلى الله تعالى.
انظر: الصحاح (6/2407). ولسان العرب. مادة (ضحا) (14/477).
انظر: شرح الرسالة ، مغني المحتاج ، كشاف القناع ، الشرح الممتع .
ثانيا: فضلها:
قد وردت أحاديث في فضلها لكن لا يصح منها شيء.
نقل الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله عن بعض أهل العلم ـ وأبهمه ـ أنه لا يصح في الضحايا
شيء.
فمن تلك الأحاديث:
ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عمل آدمي من
عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها
وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها
نفسا)).
وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا فاطمة، قومي إلى أضحيتك
فاشهديها؛ فإنه يغفر لك عند أول قطرة من دمها كل ذنب عملتيه...)) الحديث.
وعن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم أضحى : " ما عمل ابن
آدم في هذا اليوم ، أفضل من دم يهراق ، إلا أن يكون رحما مقطوعة توصل " *.
التحديث بما قيل: لا يصح فيه حديث (ص209).
د أخرجه الترمذي في الأضاحي (1493)، وابن ماجه في الأضاحي (3126)، وقال
الترمذي: "هذا حديث حسن غريب"، وصححه الحاكم (4/222)، وتعقبه الذهبي والمنذري،
وضعف هذا الحديث الألباني في الضعيفة (526).
ثالثا: الأدلة على مشروعيتها:
قال ابن قدامة رحمه الله: "الأصل في مشروعية الأضحية الكتاب والسنة والإجماع".
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر:2].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الصلاة: المكتوبة، والنحر: النسك والذبح يوم الأضحى).
وعن عكرمة وعطاء والحسن وقتادة ومجاهد: أي إذا صليت يوم الأضحى فانحر.
قال ابن قدامة: "قال بعض أهل التفسير: المراد به الأضحية بعد صلاة العيد".
قال ابن كثير رحمه الله: "والصحيح القول الأول: أن المراد بالنحر ذبح المناسك؛ ولهذا
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه".
وقال ابن سعدي رحمه الله: "خص هاتين العبادتين بالذكر لأنهما أفضل العبادات، وأجل
القربات... وفي النحر تقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من الأضاحي، وإخراج للمال
الذي جبلت النفوس على محبته والشح به".
أما السنة: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي
بكبشين .
أما الإجماع: فقد نقله غير واحد.
قال ابن قدامة رحمه الله: "وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية".
وقال ابن حجر رحمه الله: "ولا خلاف في كونها من شرائع الدين".
وهي مشروعة في جميع الملل
رابعا: الحكمة من مشروعيتها:
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وهي من نعمة الله على الإنسان أن يشرع الله للمسلم ما يشارك
به أهل موسم الحج؛ لأن أهل الموسم لهم الحج والهدي، وأهل الأمصار لهم الأضحية، ولهذا
نجد من فضل الله ورحمته أنه جعل لأهل الأمصار نصيبا مما لأهل المناسك، مثل: ترك الأخذ
من الشعر والظفر في أيام العشر من أجل أن يشارك أهل الأمصار أهل الإحرام بالتعبد لله
تعالى، بترك الأخذ من هذه الفضولات، ولأجل أن يشاركوا أهل الحج في التقرب إلى الله
تعالى بذبح الأضاحي، لأنه لولا هذه المشروعية لكان ذبحها بدعة، ولنهي الإنسان عنها،
ولكن الله شرعها لهذه المصالح العظيمة".
وكذلك "شرع الله الأضحية لتحقيق الحكم التالية:
1- اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام، الذي أمر بذبح فلذة كبده، فصدق الرؤيا،
ولبى، وتله للجبين، فناداه الله وفداه بذبح عظيم، وصدق الله العظيم إذ يقول: {فلما
بلغ معه السعى قال يابنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت
افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه
أن ياإبراهيم * قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هاذا لهو البلاء
المبين * وفديناه بذبح عظيم} [الصافات:102-107]، ففي ذبح الأضاحي إحياء هذه السنة،
وتضحية بشيء مما أفاء الله على الإنسان، شكرا لصاحب النعمة ومسديها، وغاية الشكر محض
الطاعة بامتثال الأمر.
2- توسعة على الناس يوم العيد، فحين يذبح المسلم أضحيته يوسع على نفسه وأهل بيته،
وحين يهدي منها إلى أصدقائه وجيرانه وأقاربه فإنه يوسع عليهم، وحين يتصدق منها
على الفقراء والمحتاجين فإنه يغنيهم عن السؤال في هذا اليوم الذي هو يوم فرح
وسرور".
خامسا: حكمها:
اختلف العلماء في حكم الأضحية إلى قولين هما:
القول الأول: الوجوب على المقيم الموسر، وبه قالت الحنفية واستظهره شيخ الإسلام
ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
ومما استدلوا به:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان له سعة
ولم يضح فلا يقربن مصلانا).
وعن مخنف بن سليم رضي الله عنه قال: كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة،
فقال: ((يا أيها الناس، إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة)) الحديث.
وعن جندب بن سفيان رضي الله عنه أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر صلى ثم
خطب فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح بسم
الله)).
القول الثاني: أنها سنة مستحبة، وهو قول المالكية، والشافعية، والحنابلة
، وإليه ذهب أبو محمد بن حزم، رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخلت العشر،
وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمسن من شعره وبشره شيئا)).
قالوا: علق الذبح على الإرادة، والواجب لا يعلق على الإرادة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى، فلما
قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((بسم
الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي)).
قالوا: فمن لم يضح منا، فقد كفاه تضحية النبي صلى الله عليه وسلم، وناهيك بها أضحية.
وعن أبي سريحة أو أبي سريج الغفاري قال: أدركت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، كانا لا
يضحيان، في بعض حديثهم: كراهية أن يقتدى بهما.
واستدل بعضهم بالبراءة الأصلية، وأنه لا دليل صحيح صريح يعتمد عليه الموجبون.
وذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء إلى أنها: سنة كفاية.
سادسا: شروطها:
1- أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم.
قال تعالى: {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام} [الحج:28].
قال القرطبي رحمه الله: "والأنعام هنا: الإبل والبقر والغنم".
ونقل بعضهم الإجماع على ذلك.
2- أن تكون قد بلغت السن المعتبر شرعا.
لحديث البراء وفيه: فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح، فقال: عندي جذعة، فقال صلى الله
عليه وسلم: ((اذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك)).
وهذا يدل على أنه لا بد من بلوغ السن المعتبر شرعا.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا الجذع من
الضأن)).
فلا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا ما كان مسنة، سواء كان ذكرا أم أنثى.
والمسن من الإبل: ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة.
والمسن من البقر: ما أتم سنتين ودخل في الثالثة.
والمسن من المعز: ما بلغ سنة ودخل في الثانية.
ويجزئ الجذع من الضأن وهو: ما بلغ ستة أشهر ودخل في السابع.
3- أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء المنصوص عليها في حديث البراء
بنعازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار
بيده، وقال: ((أربع: العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين
مرضها، والعجفاء التي لا تنقي)).
قال الخطابي رحمه الله: "قوله: ((لا تنقي)) أي: لا نقي لها، وهو المخ، وفيه دليل على
أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه، ألا تراه يقول: ((بين عورها)) و((بين
مرضها)) و((بين ظلعها))، فالقليل منه غير بين فكان معفوا عنه"([9]).
وقال شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله: "((بين)) أي: ظاهر ((عورها)) ـ بالعين
والواو المفتوحتين وضم الراء ـ أي: كما هي في عين، وبالأولى في عينين،
((والمريضة)) هي التي لا تعتلف، ((بين ظلعها)) ـ بسكون اللام ويفتح ـ أي: عرجها،
وهو أن يمنعها من المشي"([10]).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "((العجفاء)) وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، فالمخ مع
الهزال يزول، ويبقى داخل العظم أحمر، فهذه لا تجزئ؛ لأنها ضعيفة البنية كريهة
المنظر"([11]).
وعن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بعضباء الأذن
والقرن. قال قتادة: فذكرت لسعيد بن المسيب، قال: العضب النصف فأكثر من ذلك([12]).
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وعلى كل حال ينبغي أن نقسم العيوب إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما دلت عليه السنة على عدم إجزائه، وهي أربع: العوراء البين عورها،
والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي، فهذه منصوص على عدم إجزائها، ويقاس عليها ما كان مثلها أو أولى منها، وأما ما كان مثلها فإنه يقاس عليها قياس مساواة، وأما ما كان أولى منها فيقاس عليها قياس أولوية.
القسم الثاني: ما ورد النهي عنه دون عدم الإجزاء، وهو ما في أذنه أو قرنه عيب من خرق، أو شق طولا، أو شق عرضا، أو قطع يسير دون النصف، فهذه ورد النهي عنها في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن هذا النهي يحمل على الكراهة، لوجود الحاصر لعدم المجزئ بأربعة أصناف.
القسم الثالث: عيوب لم يرد النهي عنها، ولكنها تنافي كمال السلامة، فهذه لا أثر لها، ولا تكره الأضحية بها ولا تحرم، وإن كانت قد تعد عند الناس عيبا مثل: العوراء التي عورها غير بين، ومثل: مكسورة السن في غير الثنايا، وما أشبه ذلك، ومثل: العرجاء عرجا يسيرا، فهذه عيوب لكنها لا تمنع الإجزاء، ولا توجب الكراهة لعدم وجود الدليل، والأصل البراءة"([13]).
4- أن تكون ملكا للمضحي، أو مأذونا له فيها، فلا تصح التضحية بالمغصوب والمسروق، والمشترك بين اثنين إلا بإذن الشريك.
5- ألا يتعلق بها حق الغير، فلا تصح التضحية بالمرهون، ولا بالموروث قبل قسمته.
6- أن تقع الأضحية في الوقت المحدد شرعا، فإن ذبحت قبله أو بعده لم تجزئ.
وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنة، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء))([14]).
كما أنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يجوز عملا بالحديث السابق وحديث جندب بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي - أو نصلي - فليذبح مكانها أخرى))([15]).
ولكن اختلفوا في بدء وقت الذبح عند من يصلي العيد، على أقوال هي:
القول الأول: أن الذبح يبدأ من بعد الفراغ من الصلاة. وبه قالت الحنفية([16])، والحنابلة([17]).
القول الثاني: أن الذبح يبدأ من بعد مضي قدر الصلاة وخطبتين، سواء صلى الإمام أم لا. وإليه ذهبت الشافعية([18])، وبه قال ابن حزم([19]).
القول الثالث: أنه من بعد ذبح إمام صلاة العيد أو قدره إن لم يذبح لعذر، فإن لم يذبح لغير عذر فمن بعد فعل الصلاة([20]).
واختلفوا في بداية وقت الذبح عند من لا يصلي العيد كأهل البوادي والمسافرين ونحوهم على أقوال هي:
القول الأول: يذبح من بعد طلوع الفجر من يوم النحر، وبه قالت الحنفية([21]).
القول الثاني: من بعد ذبح أقرب الأئمة إليه. وبه قالت المالكية([22]).
القول الثالث: من بعد مضي قدر الصلاة والخطبة بعد دخول الوقت. وإليه ذهبت الشافعية([23])، وقال به ابن حزم([24]).
القول الرابع: من بعد مضي قدر الصلاة بعد دخول الوقت. وهو قول الحنابلة([25]).
وأما آخر وقت ذبح الأضحية فاختلف أهل العلم في ذلك على أقوال، أصحها قولان:
القول الأول: هو يوم النحر ويومان بعده، وهو قول الحنفية([26])، والمالكية([27])، والحنابلة([28]).
ومما استدلوا به آثار عدة عن جمع من الصحابة منها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (الأضحى يومان بعد يوم الأضحى) ([29]).
وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: (الذبح بعد النحر يومان)([30]).
القول الثاني: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة تبع ليوم العيد، وبه قالت الشافعية([31])، ورواية عن أحمد([32])، واختيار ابن تيمية([33])، وابن القيم([34]) رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به ما يلي:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب))([35]).
قالوا: فجعل حكمها واحدا أنها أيام أكل لما يذبح فيها، وشرب، وذكر لله عز وجل([36]).
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل أيام التشريق ذبح))([37]).
وقالوا: إنها كلها يشرع فيها التكبير المطلق والمقيد، ولم يفرق أحد من العلماء فيما نعلم بين هذه الأيام الثلاثة في التكبير، فهي مشتركة في جميع الأحكام، وإن كانت كذلك فلا يمكن أن نخرج عن هذا الاشتراك وقت الذبح([38]).
وقد ذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء([39])، وكذلك ابن عثيمين([40]) إلى هذا القول.
وهذا القول قوي من حيث النظر، لولا ما عارضه مما ثبت عن غير واحد من الصحابة كابن عباس وابن عمر وأبي هريرة من غير اختلاف عليهم في ذلك، وهو مما يقوي مذهب الجمهور، قال الطحاوي: "ولم يروعن أحد من الصحابة خلافه، فثبت حجته، وأيضا فإن مثله لا يقال من جهة الرأي، فدل على أنه توقيف"([41]).
سابعا: آداب متعلقة بالأضحية:
من ذلك:-
1- عدم الأخذ من الشعر والبشرة إذا دخلت العشر لمن أراد أن يضحي.
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يلمس من شعره وبشره شيئا))([1]).
قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: ما يجتنب الرجل إذا أراد أن يضحي؟ قال: "لا يأخذ من شعره، ولا من بشره"([2]).
قال ابن القيم رحمه الله: "ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن من أراد التضحية، ودخل يوم العشر فلا يأخذ من شعره وبشره شيئا"([3]).
قال النووي رحمه الله: "قال أصحابنا: والحكمة من النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار، وقيل: التشبه بالمحرم. قال أصحابنا: وهذا غلط؛ لأنه لا يعتزل النساء، ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم"([4]).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "والحكمة من ذلك: أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليه، والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة، كالمحرم لا يأخذ من شعره شيئا، يعني لا يترفه فهؤلاء أيضا مثله، وهذا من عدل الله عز وجل وحكمته"([5]).
وهذا الحكم خاص بمن يضحي لا يتناول من يضحى عنهم.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "ظاهر التحريم خاص بمن يضحي، وعلى هذا فيكون التحريم مختصا برب البيت، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بمن يضحي، فمفهومه: أن من يضحى عنه لا يثبت له هذا الحكم، وكان صلى الله عليه وسلم يضحي عن أهل بيته، ولم ينقل أنه قال لهم: لا تأخذوا من شعوركم وأظافركم وأبشاركم شيئا، ولو كان ذلك حراما عليهم لنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وهذا هو الراجح"([6]).
2- الأفضل في الأضحية صفة ما توافرت فيها صفات التمام والكمال من بهيمة الأنعام، ومنها: السمن، كثرة اللحم، كمال الخلقة، جمال المنظر، غلاء الثمن.
عن يحيى بن سعيد قال: سمعت أبا أمامة بن سعد قال: (كنا نسمن الأضحية بالمدينة، وكان المسلمون يسنمون)([7]).
ثامنا: مسائل متعلقة بالأضحية:
1- هل ذبح الأضحية أفضل أم التصدق بثمنها؟
التضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأنها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل المسلمين من بعده.
قال ابن تيمية رحمه الله: "والأضحية والعقيقة والهدي أفضل من الصدقة بثمن ذلك"([1]).
وقال ابن القيم رحمه الله: "الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه، ولو زاد، كالهدايا والضحايا، فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود، فإنه عبادة مقرونة بالصلاة، كما قال تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر:2]، وقال تعالى: {قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين} [الأنعام:162]"([2]).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "والأفضل أن تضحي، فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، وأفضل من شراء لحم بقدرها أو أكثر ليتصدق به؛ وذلك لأن المقصود الأهم في الأضحية هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها لقوله تعالى: {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولاكن يناله التقوى منكم} [الحج:37]"([3]).
وقال أيضا: "والذي يدل على أن ذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها عمل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فإنهم كانوا يضحون ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل لعدلوا إليه، بل لو كانت تساويه لعملوا بها أحيانا؛ لأنها - أي الصدقة - أيسر وأسهل...، وأيضا لو عدلوا إلى الصدقة لتعطلت شعيرة عظيمة نوه الله عليها في كتابه في عدة آيات"([4]).
2- أيها أفضل الأضحية بالإبل أو البقر أو الغنم؟
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أفضل الأضحية الإبل ثم البقر ثم الغنم، وهو قول الحنفية([5])، والشافعية([6]) والحنابلة([7])، وبه قال أبو محمد بن حزم([8])، رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
حديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله، وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها))([9]).
قالوا: والإبل أغلى ثمنا من البقر، والبقر أغلى ثمنا من الغنم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن))([10]) الحديث.
قالوا: وجود المفاضلة في التقرب إلى الله بين الإبل والبقر والغنم، ولا شك أن الأضحية من أعظم التقرب إلى الله تعالى، ولأن البدنة أكثر ثمنا ولحما ونفعا([11]).
القول الثاني: أن الأفضل الغنم ثم البقر ثم الإبل. وهو قول المالكية([12]) رحمهم الله.
ومما استدلوا به:
حديث أنس رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين، وأنا أضحي بكبشين([13]).
قالوا: وما كان صلى الله عليه وسلم يختار لخاصته ولا يفعل إلا الأفضل.
وأجاب عن ذلك ابن حزم رحمه الله بأنه محمول على التخفيف لرفع المشقة([14]).
واعلم أن كلام الجمهور محمول على من ضحى عن نفسه وأهل بيته ببعير أو بقرة، لا سبع بعير أو سبع بقرة، وإلا فالغنم في هذه الحالة أفضل([15]).
3- حكم الاشتراك في الأضحية:
اختلف أهل العلم رحمهم الله في جواز الاشتراك في الأضحية على قولين:
القول الأول: جواز الاشتراك، وبه قالت الحنفية([16])، والشافعية([17])، والحنابلة([18])، وبه قال ابن حزم([19])، رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة([20]).
قالوا: وتقاس عليه الأضاحي.
وقالوا: إن اشتراك السبعة في الجزور أو البقرة هو المشهور عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم([21]).
القول الثاني: أنه لا يجوز الاشتراك في الأضحية وهو قول المالكية([22])، وإليه ذهب جمع من أئمة الدعوة كعبد الله بن عبد اللطيف، وعبد الله أبا البطين، ومحمد بن إبراهيم([23])، رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
أن الأصل عدم جواز التشريك، والقياس لا يصح([24]).
وقالوا: إنه حيوان يضحى به، فلم يجزئ إلا عن واحد، كالشاة، ولأن كل واحد يصير مخرجا للحم بعض بدنة أو بقرة، وذلك لا يكون أضحية، كما لو اشترى لحما، ولأن كل إنسان مخاطب بفعل ما يسمى أضحية، وهذا الاسم ينطلق على الدم دون اللحم، ولأنه اشتراك في دم، فوجب ألا يجزئ مريد القربة([25]).
4- عمن تجزئ الأضحية الواحدة؟
وتجزئ الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته، وإن كثروا.
لحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون([26]).
قال ابن القيم رحمه الله: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل، وعن أهل بيته ولو كثر عددهم"([27]).
5- طروء العيب على الأضحية بعد التعيين:
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: إذا تعيبت بعد أن أوجبها فإنها تجزئ إذا لم يكن ذلك العيب بفعله أو تفريط منه. وهو قول المالكية([28]) في الأضاحي دون الهدي، والشافعية([29])، والحنابلة([30]).
ومما استدلوا به:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ابتعنا كبشا نضحي به، فأصاب الذئب من أليته أو أذنه، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم: فأمر أن نضحي به([31]).
قالوا: وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء، لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه أمين، ولا ضمان عليه([32]).
وبحديث ابن عباس، قال موسى بن سلمة الهذلي: انطلقت أنا وسنان بن سلمة معتمرين، قال: وانطلق سنان معه ببدنة يسوقها، فأزحفت عليه بالطريق فعيي بشأنها، إن هي أبدعت كيف يأتي بها، فقال: لئن قدمت البلد لأستحفين عن ذلك، قال فأضحيت فلما نزلنا البطحاء قال: انطلق إلى ابن عباس نتحدث إليه، قال: فذكر له شأن بدنته فقال: على الخبير سقطت، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بست عشرة بدنة مع رجل وأمره فيها، قال: فمضى ثم رجع، فقال: يا رسول الله، كيف أصنع بما أبدع علي منها؟ قال: ((انحرها، ثم اصبغ نعليها في دمها، ثم اجعله على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك))([33]).
القول الثاني: أنها لا تجزئ، وإليه ذهبت الحنفية([34]).
لأن الأضحية عندهم واجبة، فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة، كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وأما إذا اشترى أضحية، فتعيبت قبل الذبح، ذبحها في أحد قولي العلماء، وإن تعيبت عند الذبح أجزأ في الموضعين"([35]).
6- الاستدانة من أجل الأضحية:
سئل ابن تيمية رحمه الله عمن لا يقدر على الأضحية، هل يستدين؟
فقال: "الحمد لله رب العالمين، إن كان له وفاء فاستدان ما يضحي به فحسن، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك، والله أعلم"([36]).
7- توزيع الأضحية:
يستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدق، والأمر في ذلك واسع، من حيث المقدار، ولكن المختار عند أهل العلم أن يأكل ثلثا، ويهدي ثلثا، ويتصدق بثلث([37]).
ولا فرق في جواز الأكل والإهداء من الأضحية بين أن تكون تطوعا، أو واجبة، ولا بين أن تكون عن حي أو ميت أو وصية.
ويحرم بيع شيء من الأضحية من لحمها، أو جلدها، أو صوفها، ولا يعطي الجزار منها شيئا أجرة على ذبحه؛ لأن ذلك بمعنى البيع([38]).
8- الأضحية عن الميت:
قال ابن تيمية رحمه الله: "وتجوز الأضحية عن الميت، كما يجوز الحج عنه، والصدقة عنه، ويضحى عنه في البيت، ولا يذبح عند القبر أضحية ولا غيرها"([39]).
وقال رحمه الله: "والتضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها"([40]).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: "مسألة: هل الأضحية مشروعة عن الأموات أو عن الأحياء؟
الجواب: مشروعة عن الأحياء، إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة فيما أعلم أنهم ضحوا عن الأموات استقلالا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات له أولاد من بنين أو بنات في حياته، وماتت له زوجات وأقارب يحبهم، ولم يضح عن واحد منهم، فلم يضح عن عمه حمزة ولا زوجته خديجة، ولا عن زوجته زينب بنت خزيمة، ولا عن بناته الثلاث، ولا عن أولاده، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته قولا أو فعلا، وإنما يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته.
وأما إدخال الميت تبعا فهذا قد يستدل له بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى عنه وعن أهل بيته، وأهل بيته يشمل زوجاته اللاتي متن واللاتي على قيد الحياة، وكذلك ضحى عن أمته، وفيهم من هو ميت، وفيهم من لم يوجد، لكن الأضحية عليهم استقلالا لا أعلم لذلك أصلا في السنة. ولهذا قال بعض العلماء: إن الأضحية عنهم استقلالا بدعة ينهى عنها، ولكن القول بالبدعة قول صعب؛ لأن أدنى ما نقول فيها أنها من جنس الصدقة، وقد ثبت جواز الصدقة عن الميت.
وقال رحمه الله: "وأما الأضحية عن الأموات فهي ثلاثة أقسام: الأول أن تكون تبعا للأحياء كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله
وفيهم أموات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي ويقول: ((اللهم هذا عن محمد وآل محمد)) وفيهم من مات سابقا.
الثاني: أن يضحي عن الميت استقلالا تبرعا فقد نص فقهاء الحنابلة على أن ذلك من الخير وأن ثوابها يصل إلى الميت
وينتفع به، قياسا على الصدقة عنه، ولم ير العلماء أن يضحي أحد عن الميت إلا أن يوصي به، لكن من الخطأ ما يفعله كثير
من الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعا، ثم لا يضحون عن أنفسهم وأهليهم الأحياء فيتركون ما جاءت به السنة، ويحرمون
أنفسهم فضيلة الأضحية، وهذا من الجهل، وإلا فلو علموا بأن السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته فيشمل الأحياء
والأموات، وفضل الله واسع.
الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته فتنفذ وصيته كما أوصى بها بدون زيادة ولا نقص".
وذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء إلى جواز ذلك.
9- ذبيحة المرأة والصبي:
عن كعب بن مالك رضي الله عنه ، أن امرأة ذبحت شاة بحجر ، فسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ، فأمر بأكلها.
قال ابن حجر رحمه الله: "وفيه جواز أكل ما ذبحته المرأة سواء كانت حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة".
وكان أبو موسى يأمر بناته أن يذبحن نسائكهن بأيديهن.
وعن إبراهيم النخعي قال في ذبيحة المرأة والصبي: "لا بأس إذا أطاق الذبيحة وحفظ التسمية".
قال ابن المنذر رحمه الله: "أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي".
تاسعا: آداب متعلقة بذبح الأضحية:
1- حد السكين، وإراحة الذبيحة:
عن شداد بن أوس، قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم بأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)).
2- يستحب إمرار السكين بقوة وتحامل ذهابا وعودا، ليكون أوجى وأسهل.
3- استقبال الذابح القبلة بأضحيته، لفعل ابن عمر رضي الله عنهما، ولأنها أولى الجهات بالاستقبال.
4- أن ينحر البعير قائما على ثلاث قوائم، معقول الركبة، وإلا فباركا. لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ابعثها قياما مقيدة
سنة محمد صلى الله عليه وسلم....
والبقر والغنم يستحب أن يضجعها على الجنب الأيسر.
5- ويستحب أن يذبحها بيده ويضع رجله على صفاحها، ويقول: بسم الله الله أكبر، اللهم هذا عني وعن آل بيتي، أو عن آل فلان،
لقول أنس رضي الله عنه: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعا قدمه على صفاحهما يسمي ويكبر،
فذبحهما بيده.
قال ابن حجر: "وفيه استحباب التكبير مع التسمية، واستحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن، واتفقوا على أن
إضجاعها يكون على الجانب الأيسر، فيضع رجله على الجانب الأيمن ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين وإمساك رأسها
بيده اليسار".
ولحديث عائشة وفيه: ثم ذبحه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد)) ثم
ضحى به.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وأما الأضحية فإنه يستقبل بها القبلة، فيضجعها على الأيسر، ويقول: بسم الله، والله أكبر، اللهم
تقبل مني كما تقبلت من إبراهيم خليلك".
عاشرا: بعض البدع والمخالفات الشرعية في الأضحية:
1- لطخ الجباه بدم الأضحية:
جاء في أجوبة اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه:
لا نعلم للطخ الجباه بدم الأضحية أصلا لا من الكتاب ولا من السنة، ولا نعلم أن أحدا من الصحابة فعله، فهو بدعة؛ لقوله
صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، وفي رواية: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))،
متفق على صحته.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن قعود | عبد الله بن غديان | عبد الرزاق عفيفي | عبد العزيز ابن باز
2- الوضوء لذبح الضحية:
وجاء في أجوبتها أيضا:
لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ بعد صلاة عيد الأضحى من أجل أن يذبح أضحيته، ولم يعرف ذلك أيضا عن السلف
الصالح، والقرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، فمن توضأ من أجل ذبح أضحيته فهو جاهل مبتدع؛
لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، ولكنه إذا ارتكب ذلك بأن
توضأ لذبح أضحيته فذبيحته مجزئة له ما دام مسلما لا يعرف عنه ما يوجب تكفيره، ويجوز الأكل منها له ولغيره.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
عبد الله بن غديان | عبد الرزاق عفيفي | عبد العزيز ابن باز
3- ومن البدع أيضا ما ذكره ابن عثيمين رحمه الله حيث قال: "وأما ما يفعله بعض العامة عندنا يسميها في ليلة العيد ـ أ
ي: الأضحية ـ ويمسح ظهرها من ناصيتها إلى ذنبها، وربما يكرر ذلك: هذا عني، هذا عن أهل بيتي، هذا عن أمي، وما أشبه
ذلك فهذا من البدع، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم".
4- ومن البدع: ما يفعله "من يطوف حولها ـ أي الأضحية ـ، أو يتخطاها هو وأهل بيته قبل ذبحها، ومن يهلل ويكبر بصوت
جماعي مع أهل بيته حال الطواف حولها، ونحو ذلك من المحدثات التي سببها انتشار الأحاديث التي لا خطام لها ولا زمام".
واسال الله ان يتقبل منا ومنكم وكل عام وانتم بخير
منقول